الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
الشَّرْحُ (كِتَابُ الزَّكَاةِ) هِيَ لُغَةً النُّمُوُّ وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ، يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ: إذَا نَمَا، وَزَكَتْ النَّفَقَةُ إذَا بُورِكَ فِيهَا، وَفُلَانٌ زَاكٍ: أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ، وَتُطْلَقُ عَلَى التَّطْهِيرِ. قَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} أَيْ طَهَّرَهَا مِنْ الْأَدْنَاسِ، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَدْحِ قَالَ تَعَالَى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} أَيْ تَمْدَحُوهَا. وَشَرْعًا اسْمٌ لِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ يَجِبُ صَرْفُهُ لِأَصْنَافٍ مَخْصُوصَةٍ بِشَرَائِطَ سَتَأْتِي، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو بِبَرَكَةِ إخْرَاجِهَا وَدُعَاءِ الْآخِذِ؛ وَلِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُخْرِجَهَا مِنْ الْإِثْمِ وَتَمْدَحُهُ حِينَ تَشْهَدُ لَهُ بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وقَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ {بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ} وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْخَبَرِ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَإِنْ أَتَى بِهَا، وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا عَلَيْهَا، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَالْكَلَامُ فِي الزَّكَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا. أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهَا كَزَكَاةِ التُّجَّارِ وَالرِّكَازِ وَزَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَوْ الزَّكَاةِ فِي مَالِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا، وَفُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ النَّعَمُ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ. الثَّانِي: الْمُعَشَّرَاتُ، وَهِيَ الْقُوتُ وَهُوَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ. الثَّالِثُ النَّقْدُ، وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ فَيَشْمَلُ الْبُرَّ. الرَّابِعُ التِّجَارَةُ. الْخَامِسُ الْفِطْرَةُ وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ، وَالزَّرْعُ، وَالنَّخْلُ، وَالْكَرْمُ، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ طَبَقَاتِ النَّاسِ. .
المتن كِتَابُ الزَّكَاةِ بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ إنَّمَا تَجِبُ مِنْهُ فِي النَّعَمِ: وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لَا الْخَيْلُ وَالرَّقِيقُ، وَالْمُتَوَلَّدُ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ.
الشَّرْحُ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَنْعَامُ أَكْثَرَ أَمْوَالِ الْعَرَبِ بَدَأَ بِهَا اقْتِدَاءً بِكِتَابِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْآتِي: فَقَالَ: (بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ) وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْإِبِلِ لِلْبَدَاءَةِ بِهَا فِي خَبَرِ أَنَسٍ الْآتِي، وَلِزَكَاةِ الْحَيَوَانِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: كَمَا قَالَ (إنَّمَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَيَوَانِ (فِي النَّعَمِ) بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ) الْإِنْسِيَّةُ، سُمِّيَتْ نَعَمًا لِكَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلنَّمَاءِ غَالِبًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا، وَالنَّعَمُ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. قَالَ تَعَالَى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} وَجَمْعُهُ أَنْعَامٌ، وَأَنْعَامٌ أَنَاعِمُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ النَّعَمِ كَانَ أَخَصْرَ وَأَسْلَمَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَفَادَ بِذِكْرِهَا تَسْمِيَةَ الثَّلَاثِ نَعَمًا (لَا الْخَيْلُ) وَهُوَ مُؤَنَّثٌ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَفِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ التَّحْرِيرِ أَنَّ وَاحِدَهُ خَائِلٌ كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: سُمِّيَتْ خَيْلًا لِاخْتِيَالِهَا فِي مَشْيِهَا (وَلَا الرَّقِيقُ) يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى الْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ {لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ} أَيْ إذَا لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي إنَاثِ الْخَيْلِ (وَ) لَا (الْمُتَوَلَّدُ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ) بِالْمَدِّ جَمْعُ ظَبْيٍ وَهُوَ الْغَزَالُ، وَكَذَا كُلُّ مُتَوَلَّدٍ بَيْنَ زَكَوِيٍّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلَّدِ مُطْلَقًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنْ الْإِنَاثُ غَنَمًا، أَمَّا الْمُتَوَلَّدُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ النَّعَمِ وَمِنْ آخَرَ مِنْهَا كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ إبِلٍ وَبَقَرٍ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا تَجِبُ فِيهِ، وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا، فَالْمُتَوَلَّدُ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يُزَكِّي زَكَاةَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. .
المتن وَلَا شَيْءَ فِي الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثٌ، وَعِشْرِينَ أَرْبَعٌ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَسِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَسِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَإِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَسِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَإِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَكُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَبِنْتُ الْمَخَاضِ لَهَا سَنَةٌ، وَاللَّبُونِ سَنَتَانِ، وَالْحِقَّةُ ثَلَاثٌ، وَالْجَذَعَةُ أَرْبَعٌ، وَالشَّاةُ جَذَعَةُ ضَأْنٍ لَهَا سَنَةٌ، وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لَهَا سَنَتَانِ، وَقِيلَ سَنَةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ، وَأَنَّهُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ، وَكَذَا بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَنْ دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ فَابْنُ لَبُونٍ، وَالْمَعِيبَةُ كَمَعْدُومَةٍ، وَلَا يُكَلَّفُ كَرِيمَةٌ لَكِنْ تُمْنَعُ ابْنُ لَبُونٍ فِي الْأَصَحِّ وَيُؤْخَذُ الْحِقُّ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ لَا لَبُونٍ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ الشَّرْطُ الثَّانِي؛ النِّصَابُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا شَيْءَ فِي الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا) وَالْإِبِلُ بِكَسْرِ الْبَاءِ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَتُسَكَّنُ بَاؤُهُ لِلتَّخْفِيفِ، وَيُجْمَعُ عَلَى آبَالٍ كَجَمَلٍ وَأَجْمَالٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا (فَفِيهَا شَاةٌ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ} وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الشَّاةُ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِلرِّفْقِ بِالْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْبَعِيرِ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَإِيجَابُ جُزْءٍ مِنْ بَعِيرٍ وَهُوَ الْخُمْسُ مُضِرٌّ بِهِ وَبِالْفُقَرَاءِ (وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَ) فِي (خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثٌ) مِنْ الشِّيَاهِ (وَ) فِي (عِشْرِينَ أَرْبَعٌ) مِنْهَا (وَ) فِي (خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَ) فِي (سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَ) فِي (سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَ) فِي (إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (وَ) فِي (سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَ) فِي (إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، وَ) فِي (مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ) يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فِيهَا، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ بَعْدَهَا، فَ (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَ) فِي (كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وُجِّهَ إلَى الْبَحْرَيْنِ عَلَى الزَّكَاةِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِهِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ}، وَفِيهِ زِيَادَةٌ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إذْ الصَّحِيحُ جَوَازُ تَفْرِيقِ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَخْتَلَّ الْمَعْنَى، قَوْلُهُ: فُرِضَ: أَيْ قُدِّرَ، وَقَوْلُهُ: لَا يُعْطِهِ: أَيْ الزَّائِدَ بَلْ يُعْطِي الْوَاجِبَ فَقَطْ، وَتَقْيِيدُ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَاللَّبُونِ بِالْأُنْثَى، وَابْنُ اللَّبُونِ بِالذَّكَرِ تَأْكِيدٌ كَمَا يُقَالُ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ بَعْضَ الْوَاحِدَةِ كَالْوَاحِدَةِ لِبِنَاءِ الزَّكَاةِ عَلَى تَغَيُّرِ وَاجِبِهَا بِالْأَشْخَاصِ دُونَ الْأَشْقَاصِ، وَفِي أَبِي دَاوُد التَّصْرِيحُ بِالْوَاحِدَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِخَبَرِ أَنَسٍ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ إلَخْ قَدْ يَقْتَضِي لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ أَنَّ اسْتِقَامَةَ الْحِسَابِ بِذَلِكَ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا بَعْدُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ تِسْعٍ، ثُمَّ بِزِيَادَةِ عَشْرٍ عَشْرٍ كَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ بِنْتَيْ لَبُونٍ بَدَلًا عَنْ الْحِقَّةِ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَأَخْرَجَ حِقَّتَيْنِ أَوْ بِنْتَيْ لَبُونٍ بَدَلًا عَنْ الْجَذَعَةِ فِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ عَمَّا زَادَ (وَبِنْتُ الْمَخَاضِ لَهَا سَنَةٌ) وَبَلَغَتْ فِي الثَّانِيَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ وِلَادَتِهَا آنَ لَهَا أَنْ تَحْمِلَ مَرَّةً أُخْرَى فَتَصِيرَ مِنْ الْمَخَاضِ: أَيْ الْحَوَامِلِ (وَ) بِنْتُ (اللَّبُونِ سَنَتَانِ) وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا آنَ لَهَا أَنْ تَلِدَ فَتَصِيرَ لَبُونًا (وَالْحِقَّةُ) لَهَا (ثَلَاثٌ) وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ، وَاسْتَحَقَّ الْفَحْلُ أَنْ يَطْرُقَ (وَالْجَذَعَةُ) لَهَا (أَرْبَعٌ) وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا أَجْذَعَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا: أَيْ أَسْقَطَتْهُ، وَقِيلَ: لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ أَسْنَانَهَا لَا تَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ، قِيلَ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَهَذَا آخِرُ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ، وَتُعْتَبَرُ فِي الْجَمِيعِ الْأُنُوثَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ رِفْقِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ (وَالشَّاةُ) الْوَاجِبَةُ فِيمَا دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ (جَذَعَةُ ضَأْنٍ لَهَا سَنَةٌ) أَوْ أَجْذَعَتْ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهَا سَنَةٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَنَزَّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَالِاحْتِلَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَقِيلَ) لَهَا (سِتَّةُ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لَهَا سَنَتَانِ، وَقِيلَ سَنَةٌ) وَوَجْهُ عَدَمِ إجْزَاءِ مَا دُونَ هَذَيْنِ السِّنَّيْنِ الْإِجْمَاعُ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ (أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ (وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ) لِخَبَرِ {فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ} وَالشَّاةُ تُطْلَقُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى غَنَمِ بَلَدٍ آخَرَ إلَّا بِمِثْلِهَا فِي الْقِيمَةِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا، وَالثَّانِي: يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ كَمَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُخْرَجِ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ كَوْنُهُ كَامِلًا وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: يَكْفِي كَوْنُهُ لَائِقًا بِحَسَبِ التَّقْسِيطِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صَحِيحٌ فَرَّقَ دَرَاهِمَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ) أَيْ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ إنَاثًا لِصِدْقِ اسْمِ الشَّاةِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأُنْثَى؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَالثَّالِثُ: يُجْزِئُ فِي الْإِبِلِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ (وَكَذَا) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِئُ (بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَنْ دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ عِوَضًا عَنْ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الشِّيَاهِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ قِيمَةَ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَعَمَّا دُونَهَا أَوْلَى، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ بَلْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ حَيَوَانٍ، وَالثَّالِثُ: لَا يُجْزِئُ النَّاقِصُ عَنْ قِيمَةِ شَاةٍ فِي خَمْسٍ وَشَاتَيْنِ فِي عَشْرٍ وَهَكَذَا.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بَعِيرُ الزَّكَاةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَأَفَادَتْ إضَافَتُهُ إلَى الزَّكَاةِ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ أُنْثَى بِنْتَ مَخَاضٍ فَمَا فَوْقَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَكَوْنُهُ مُجْزِئًا عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَإِنْ لَمْ يُجْزِ عَنْهَا لَمْ يُقْبَلْ بَدَلُ الشَّاةِ، وَهَلْ يَقَعُ الْبَعِيرُ الْمُخْرَجُ عَنْ خَمْسٍ كُلُّهُ فَرْضًا أَوْ خُمْسُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَيَجْرِيَانِ فِيمَا إذَا ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً بَدَلَ الشَّاةِ هَلْ تَقَعُ كُلُّهَا فَرْضًا أَوْ سُبْعُهَا، وَفِيمَنْ مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَفِيمَنْ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ زِيَادَةٌ عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّمْيِيزُ كَبَعِيرِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْكُلَّ يَقَعُ فَرْضًا، وَمَا أَمْكَنَ كَمَسْحِ الرَّأْسِ يَقَعُ الْبَعْضُ فَرْضًا وَالْبَاقِي نَفْلًا وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْبَعِيرُ يُجْمَعُ عَلَى أَبْعِرَةٍ وَأَبَاعِرَ وَبُعْرَانٍ (فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ (فَابْنُ لَبُونٍ) وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهَا، أَوْ كَانَ خُنْثَى، أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى شِرَاءِ بِنْتِ مَخَاضٍ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ}. وَقَوْلُهُ: ذَكَرٌ أَرَادَ بِهِ التَّأْكِيدَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْغَلَطِ، وَالْخُنْثَى أَوْلَى، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْخُنْثَى مَعَ وُجُودِ الْأُنْثَى لَمْ يُجْزِهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ (وَ) بِنْتُ الْمَخَاضِ (الْمَعِيبَةُ) وَالْمَغْصُوبَةُ الْعَاجِزُ عَنْ تَحْصِيلِهَا، وَالْمَرْهُونَةُ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِحَالٍ وَعَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهَا (كَمَعْدُومَةٍ) فَيُؤْخَذُ عَنْهَا مَا ذُكِرَ مَعَ وُجُودِهَا؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ غَيْرُ مُجْزِئٍ، وَمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِ (وَلَا يُكَلَّفُ) أَنْ يُخْرِجَ بِنْتَ مَخَاضٍ (كَرِيمَةً) إذَا كَانَتْ إبِلُهُ مَهَازِيلَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: {إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ إبِلُهُ كُلُّهَا كَرَائِمُ فَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ كَرِيمَةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ إذْ لَا تَكْلِيفَ (لَكِنْ تَمْنَعُ) الْكَرِيمَةُ عِنْدَهُ (ابْنَ لَبُونٍ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ مُجْزِئَةٍ فِي مَالِهِ. وَالثَّانِي وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْكَرِيمَةِ لَا يَجِبُ فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ (وَيُؤْخَذُ الْحِقُّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ) عِنْدَ فَقْدِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ اللَّبُونِ، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الزَّكَوَاتِ (لَا) عَنْ بِنْتِ (لَبُونٍ) عِنْدَ فَقْدِهَا: أَيْ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا (فِي الْأَصَحِّ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ سِنِّ ابْنِ اللَّبُونِ عَلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِقُوَّةِ وُرُودِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ بِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقِّ لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْحِقِّ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالثَّانِي يُجْزِئُ لِانْجِبَارِ فَضِيلَةِ الْأُنُوثَةِ بِزِيَادَةِ السِّنِّ كَابْنِ اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ وَلِوُرُودِ النَّصِّ ثَمَّ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّحِيحِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
المتن
وَلَوْ اتَّفَقَ فَرْضَانِ كَمِائَتَيْ بَعِيرٍ فَالْمَذْهَبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ، بَلْ هُنَّ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَإِنْ وُجِدَ بِمَالِهِ أَحَدَهُمَا أُخِذَ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ، وَقِيلَ يَجِبُ الْأَغْبَطُ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ وَجَدَهُمَا فَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ، وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ إنْ دَلَّسَ أَوْ قَصَّرَ السَّاعِي، وَإِلَّا فَيُجْزِئُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ.
الشَّرْحُ (وَلَوْ اتَّفَقَ) (فَرْضَانِ) فِي الْإِبِلِ (كَمِائَتَيْ بَعِيرٍ) فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ كَمَا قَالَ (فَالْمَذْهَبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ، بَلْ هُنَّ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ)؛ لِأَنَّ الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ أَوْ خَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ} أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ أُخِذَتْ، هَذَا هُوَ الْجَدِيدُ، وَفِي قَوْلٍ تَتَعَيَّنُ الْحِقَاقُ، إذْ النَّظَرُ فِي زِيَادَةِ الْإِبِلِ إلَى زِيَادَةِ السِّنِّ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْجَدِيدِ، وَحُمِلَ الْقَدِيمُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ إلَّا الْحِقَاقُ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ كُلُّ الْوَاجِبِ بِكُلِّ الْحِسَابَيْنِ، أَوْ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ يُوجَدَ بَعْضُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا، لَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْهُمَا، وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ (فَإِنْ وَجَدَ) عَلَى الْمَذْهَبِ الْجَدِيدِ (بِمَالِهِ أَحَدَهُمَا) تَامًّا مُجْزِئًا (أُخِذَ) مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ أَغْبَطَ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، أَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ الْآخَرِ إذْ النَّاقِصُ وَالْمَعِيبُ كَالْمَعْدُومِ، وَلَا يَجُوزُ الصُّعُودُ وَلَا النُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أُخِذَ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَصَّلَ الْمَفْقُودَ وَدَفَعَهُ لَا يُؤْخَذُ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ: لَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُ الْآخَرِ وَإِنْ أَغْبَطَ، وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْآخَرُ وَدَفَعَهُ أَجْزَأَهُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ أَغْبَطَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَقَاسَاهُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِابْنِ لَبُونٍ لِفَقْدِ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَالِهِ أَحَدُهُمَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا، أَوْ وُجِدَ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ بَعْضُ أَحَدِهِمَا، أَوْ وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ (فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ) مِنْ النَّوْعَيْنِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مُتِمًّا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ غَيْرَ أَغْبَطَ لِمَا فِي تَعْيِينِ الْأَغْبَطِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِهِ (وَقِيلَ يَجِبُ) تَحْصِيلُ (الْأَغْبَطِ لِلْفُقَرَاءِ)؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْعَدَمِ كَاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُودِ، وَعِنْدَ وُجُودِهِمَا يَجِبُ إخْرَاجُ الْأَغْبَطِ كَمَا سَيَأْتِي.
تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلَهُ إلَى جَوَازِ تَرْكِهِمَا مَعًا وَيَنْزِلُ أَوْ يَصْعَدُ مَعَ الْجُبْرَانِ، فَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا وَصَعَدَ إلَى أَرْبَعِ جِذَاعٍ فَأَخْرَجَهَا وَأَخَذَ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ بَنَاتَ اللَّبُونِ أَصْلًا وَنَزَلَ إلَى خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَهَا وَدَفَعَ مَعَهَا خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ، وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَصْلًا وَيَصْعَدُ إلَى خَمْسِ جِذَاعٍ وَيَأْخُذُ عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ، وَلَا جَعْلُ الْحِقَاقِ أَصْلًا وَيَنْزِلُ إلَى أَرْبَعِ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَيَدْفَعُ ثَمَانِ جُبْرَانَاتٍ لِكَثْرَةِ الْجُبْرَانِ مَعَ إمْكَانِ تَقْلِيلِهِ، وَلَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا كَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَرْبَعِ بَنَاتِ لَبُونٍ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا فَيَدْفَعَهَا مَعَ بِنْتِ لَبُونٍ وَجُبْرَانٍ، أَوْ يَجْعَلَ بَنَاتَ اللَّبُونِ أَصْلًا فَيَدْفَعَهَا مَعَ حِقَّةٍ وَيَأْخُذَ جُبْرَانًا، وَلَهُ دَفْعُ حِقَّةٍ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ لِإِقَامَةِ الشَّرْعِ بِنْتُ اللَّبُونِ مَعَ الْجُبْرَانِ مَقَامَ حِقَّةٍ، وَلَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ أَحَدِهِمَا كَحِقَّةٍ دَفَعَهَا مَعَ ثَلَاثِ جِذَاعٍ وَأَخَذَ ثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ. وَلَهُ دَفْعُ خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ مَعَ دَفْعِ خَمْسِ جُبْرَانَاتٍ (وَإِنْ وَجَدَهُمَا) فِي مَالِهِ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ ( فَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ (تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فَرَضَهُ لَوْ انْفَرَدَ، وَمَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَغْبَطِ الْأَنْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِزِيَادَةِ قِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكِرَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْقِيَاسُ جَعْلُهَا كَالْمَعْدُومَةِ حَتَّى يُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ الْأَغْبَطِ. وَالثَّانِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: إنْ كَانَ يُخْرِجُ عَنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ غَيْرُ الْأَغْبَطِ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُونَا عِنْدَهُ (وَلَا يُجْزِئُ) عَلَى الْأَوَّلِ (غَيْرُهُ) أَيْ الْأَغْبَطِ (إنْ دَلَّسَ) الدَّافِعُ فِي إعْطَائِهِ بِأَنْ أَخْفَى الْأَغْبَطَ (أَوْ قَصَّرَ السَّاعِي) فِي أَخْذِهِ بِأَنْ عَلِمَ الْحَالَ أَوْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَنَظَرٍ أَنَّ الْأَغْبَطَ مَاذَا ؟ فَيَلْزَمُ الدَّافِعَ إخْرَاجُ الْأَغْبَطِ، وَعَلَى السَّاعِي رَدُّ مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ الدَّافِعُ وَلَمْ يُقَصِّرْ السَّاعِي (فَيُجْزِئُ) عَنْ الزَّكَاةِ: أَيْ فَيُحْسَبُ عَنْهَا لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الرَّدِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْفِي كَمَا قَالَ (وَالْأَصَحُّ) مَعَ إجْزَائِهِ (وُجُوبُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الْأَغْبَطِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْفَرْضَ بِكَمَالِهِ فَوَجَبَ جَبْرُ نَقْصِهِ، هَذَا إنْ اقْتَضَتْ الْغِبْطَةُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ مَعَهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ بَلْ يُسَنُّ؛ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ مَحْسُوبٌ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا إذَا أَدَّى اجْتِهَادُ السَّاعِي إلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ بِأَنْ كَانَ حَنِيفًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ (وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ) مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ دَنَانِيرَ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَأَخَذَ الْحِقَاقَ، فَالتَّفَاوُتُ خَمْسُونَ، فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْخَمْسِينَ أَوْ خَمْسَةَ أَتْسَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ خَمْسُونَ؛ وَقِيمَةَ كُلِّ بِنْتِ لَبُونٍ تِسْعُونَ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ دَفْعُ النَّقْدِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ شِرَاءِ جُزْئِهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْدِلُ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ لِلضَّرُورَةِ (وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ) أَيْ بِقَدْرِ التَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ فِي الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ مُمْتَنِعٌ عِنْدَنَا، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَغْبَطِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَقِيلَ: مِنْ جِنْسِ الْمُخْرَجِ لِئَلَّا يَتَبَعَّضَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
فَرْعٌ: لَوْ بَلَغَتْ إبِلُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَأَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْمِائَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ التَّشْقِيصُ، فَلَوْ أَخْرَجَ فِي صُورَةِ الْمِائَتَيْنِ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ، أَوْ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً أَجْزَأَ.
المتن وَمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ فَعَدِمَهَا دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ حِقَّةً وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا وَفِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ لِلْمَالِكِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ إبِلُهُ مَعِيبَةً، وَلَهُ صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ، وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ، وَنُزُولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ دَرَجَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ جُبْرَانٍ مَعَ ثَنِيَّةٍ بَدَلَ جَذَعَةٍ عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا تُجْزِئُ شَاةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَتُجْزِئُ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ لِجُبْرَانَيْنِ.
الشَّرْحُ (وَمَنْ لَزِمَهُ) سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَلَهُ الصُّعُودُ إلَى الْأَعْلَى بِدَرَجَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا، وَلَهُ الْهُبُوطُ وَيُعْطِيهِ، وَالْجُبْرَانُ الْوَاحِدُ كَمَا سَيَأْتِي شَاتَانِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا نَقْرَةً خَالِصَةً، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الشَّرْعِيَّةُ حَيْثُ وَرَدَتْ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَزِمَهُ (بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا) فِي مَالِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ) لَزِمَهُ (بِنْتُ لَبُونٍ فَعَدِمَهَا) فِي مَالِهِ (دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ) دَفَعَ (حِقَّةً وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ وَلَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا مَا نَزَّلَهُ الشَّارِعُ مَنْزِلَتَهُ فَلَهُ الصُّعُودُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ وَأَخْذُ الْجُبْرَانِ وَلَهُ النُّزُولُ إلَى أَسْفَلَ مِنْهُ وَدَفْعُ الْجُبْرَانِ بِشَرْطِ كَوْنِ السِّنِّ الْمَنْزُولِ إلَيْهِ سِنَّ زَكَاةٍ، فَلَيْسَ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَنْ يَعْدِلَ إلَى دُونِهَا عِنْدَ فَقْدِهَا وَيُعْطِي الْجُبْرَانَ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الصُّعُودِ، فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَقَدَهَا قُبِلَ مِنْهُ الثَّنِيَّةُ وَلَهُ الْجُبْرَانُ كَمَا سَيَأْتِي أَمَّا مَنْ وَجَدَ الْوَاجِبَ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ نُزُولٌ مُطْلَقًا وَلَا صُعُودٌ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ جُبْرَانًا؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَيَمْتَنِعُ الصُّعُودُ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ مَعَ جُبْرَانٍ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهَا كَمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ فِي مَالِهِ السِّنُّ الْوَاجِبُ لَكِنَّهُ مَعِيبٌ أَوْ كَرِيمٌ لَمْ يَمْنَعْ وُجُودُهُ الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ، وَإِنْ كَانَ وُجُودُ بِنْتِ مَخَاضٍ كَرِيمَةٍ يَمْنَعُ الْعُدُولُ إلَى ابْنِ اللَّبُونِ فِي الْأَصَحِّ، وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الذَّكَرَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ فَكَانَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَغْلَظَ مِنْ الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ (وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا) سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا أَمْ سَاعِيًا لِظَاهِرِ خَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ السَّاعِيَ الْعَمَلُ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَيُسَنُّ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ هُوَ الدَّافِعُ اخْتِيَارُ الْأَنْفَعِ لَهُمْ. وَأَمَّا وَلِيُّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَوْ نَائِبُ الْغَائِبِ فَيُحْتَاطُ لَهُ (وَفِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ) الْخِيرَةُ فِيهِمَا (لِلْمَالِكِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُمَا شُرِّعَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُكَلَّفَ الشِّرَاءَ فَنَاسَبَ تَخْيِيرَهُ. وَالثَّانِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ إلَى السَّاعِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ لِيَأْخُذَ مَا هُوَ الْأَحَظُّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ غَيْرَ الْأَغْبَطِ، فَإِنْ دَفَعَ الْأَغْبَطَ لَزِمَ السَّاعِيَ أَخْذُهُ قَطْعًا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْخِيرَةُ إلَى الْمَالِكِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَجَابَهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُ مَا يَدْفَعُهُ لَهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ إبِلُهُ مَعِيبَةً) لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا خِيرَةَ لَهُ فِي الصُّعُودِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ مَعِيبٌ، وَالْجُبْرَانُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ السَّلِيمَيْنِ، وَهُوَ فَوْقَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَعِيبِينَ، وَمَقْصُودُ الزَّكَاةِ إفَادَةُ الْمُسْتَحِقِّينَ لَا الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُمْ. نَعَمْ إنْ رَأَى السَّاعِي مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ جَازَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ: وَلَوْ أَرَادَ الْعُدُولَ إلَى سَلِيمَةٍ مَعَ أَخْذِ الْجُبْرَانِ فَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ الْجَوَازُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ اقْتَضَى إطْلَاقُ الْمَتْنِ الْمَنْعَ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ. أَمَّا هُبُوطُهُ مَعَ إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ فَجَائِزٌ لِتَبَرُّعِهِ بِالزِّيَادَةِ (وَلَهُ صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ) كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَصَعَدَ إلَى الْجَذَعَةِ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةِ (وَ) لَهُ (نُزُولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ) دَفْعِ (جُبْرَانَيْنِ) كَمَا إذَا أَعْطَى بَدَلَ الْحِقَّةِ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (بِشَرْطِ تَعَذُّرِ دَرَجَةٍ) قُرْبَى فِي تِلْكَ الْجِهَةِ (فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يَصْعَدُ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى الْحِقَّةِ أَوْ يَنْزِلُ عَنْ الْحِقَّةِ إلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ بِنْتِ اللَّبُونِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْجُبْرَانِ الزَّائِدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَعَدَ أَوْ نَزَلَ مَعَ إمْكَانِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَقْرَبَ لَيْسَ وَاجِبَهُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، نَعَمْ لَوْ صَعَدَ وَرَضِيَ بِجُبْرَانٍ وَاحِدٍ جَازَ قَطْعًا، وَحُكْمُ الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ كَدَرَجَتَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ كَأَنْ يُعْطِيَ عَنْ جَذَعَةٍ فَقَدَهَا وَالْحِقَّةِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ بِنْتَ مَخَاضٍ وَثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ، أَوْ يُعْطِيَ بَدَلَ بِنْتِ مَخَاضٍ عِنْدَ فَقْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَيَأْخُذَ ثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْقُرْبَى فِي غَيْرِ جِهَةِ الْمُخْرَجَةِ كَأَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا حِقَّةً وَوَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ جَذَعَةٍ مَعَ أَخْذِ جُبْرَانَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ لَيْسَتْ فِي جِهَةِ الْجَذَعَةِ (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ جُبْرَانٍ مَعَ ثَنِيَّةٍ) وَهِيَ الَّتِي تَمَّ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي السَّادِسَةِ يَدْفَعُهَا (بَدَلَ جَذَعَةٍ) عَلَيْهِ عِنْدَ فَقْدِهَا (عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ فَصِيلًا، وَهُوَ مَا لَهُ دُونَ السَّنَةِ مَعَ الْجُبْرَانِ، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَلَمْ يُصَحِّحْ فِي الْكَبِيرِ شَيْئًا (قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُور الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِزِيَادَةِ السِّنِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَرَاتِبِ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهَا بِعَامٍ فَجَازَ كَالْجَذَعَةِ مَعَ الْحِقَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ عَنْهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ انْتِفَاءُ نِيَابَتِهَا. أَمَّا إذَا دَفَعَهَا وَلَمْ يَطْلُبْ جُبْرَانًا فَجَائِزَةٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا (وَلَا تُجْزِئُ شَاةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ) عَنْ جُبْرَانٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَ شَاتَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَا يَجُوزُ خَصْلَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الْآخِذَ وَرَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَتُجْزِئُ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ) دِرْهَمًا (لِجُبْرَانَيْنِ) كَمَا يَجُوزُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَكِسْوَةُ عَشَرَةٍ فِي أُخْرَى، وَلَوْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ فَأَخْرَجَ عَنْ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْأُخْرَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَالْأُخْرَى شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا جَازَ.
المتن وَلَا الْبَقَرِ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ ابْنُ سَنَةٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَكُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، لَهَا سَنَتَانِ، وَلَا الْغَنَمِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَشَاةٌ جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَمِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ، وَأَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ.
الشَّرْحُ (وَلَا) شَيْءَ فِي (الْبَقَرِ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ (حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ ابْنُ سَنَةٍ) وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْمَرْعَى، وَقِيلَ: لِأَنَّ قَرْنَهُ يَتْبَعُ أُذُنَهُ: أَيْ يُسَاوِيهَا، وَلَوْ أَخْرَجَ تَبِيعَةً أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا (ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَ) فِي (كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ لَهَا سَنَتَانِ) وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ {بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا} وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَلَا جُبْرَانَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ، فَفِي سِتِّينَ تَبِيعَانِ، وَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ، وَثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ بُلُوغِ الْإِبِلِ مِائَتَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ خِلَافٍ وَتَفْرِيعٍ إلَّا فِي الْجُبْرَانِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَتُسَمَّى الْمُسِنَّةُ ثَنِيَّةً، وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهَا تَبِيعَيْنِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: لَا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَقُومُ مَقَامَ السِّنِّ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّبِيعَيْنِ يُجْزِئَانِ عَنْ سِتِّينَ، فَعَنْ أَرْبَعِينَ أَوْلَى بِخِلَافِ بِنْتَيْ الْمَخَاضِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ فَرْضِ نِصَابٍ، وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ لَا يَتَغَيَّرُ إلَّا بِزِيَادَةِ عِشْرِينَ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَتَّفِقُ فَرْضَانِ (وَلَا) شَيْءَ فِي (الْغَنَمِ) هُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ (حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ) شَاةً (فَفِيهَا) (شَاةٌ جَذَعَةُ ضَأْنٍ، أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُمَا (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ وَ) فِي (مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ) مِنْ الشِّيَاهِ (وَ) فِي (أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٌ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ تَفَرَّقَتْ مَاشِيَةُ الْمَالِكِ فِي أَمَاكِنَ فَهِيَ كَالَّتِي فِي مَكَان وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي بَلَدَيْنِ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ، وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِينَ فِي بَلَدَيْنِ فِي كُلٍّ أَرْبَعُونَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عِنْدَهُ عِنْدَ التَّبَاعُدِ شَاتَانِ. .
فَصْلٌ: [في اتحاد نوع الماشية] المتن إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ أُخِذَ الْفَرْضُ مِنْهُ فَلَوْ أَخَذَ عَنْ ضَأْنٍ مَعْزًا أَوْ عَكْسَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْقِيمَةِ.
الشَّرْحُ (فَصْلٌ: إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ) كَأَنْ كَانَتْ إبِلُهُ كُلُّهَا مَهْرِيَّةً بِفَتْحِ الْمِيمِ نِسْبَةً إلَى أَبِي مَهِيرَةَ، أَوْ مُجَيْدِيَّةً نِسْبَةً إلَى فَصْلٍ مِنْ الْإِبِلِ يُقَالُ لَهُ: مُجِيدٌ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَجِيمٍ، وَهِيَ دُونُ الْمُهْرِيَّةِ، أَوْ أَرْحَبِيَّةً نِسْبَةً إلَى أَرْحَبَ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ هَمْدَانَ، أَوْ بَقَرُهُ كُلُّهَا جَوَامِيسَ أَوْ عِرَابًا، أَوْ غَنَمُهُ كُلُّهَا ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا، وَسُمِّيَتْ مَاشِيَةً لِرَعْيِهَا وَهِيَ تَمْشِي (أَخَذَ الْفَرْضَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ، فَتُؤْخَذُ الْمُهْرِيَّةُ مِنْ الْمُهْرِيَّةِ، وَالْأَرْحَبِيَّةُ مِنْ الْأَرْحَبِيَّةِ، وَالضَّأْنُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزُ مِنْ الْمَعْزِ. نَعَمْ لَوْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ بِأَنْ تَفَاوَتَتْ فِي السِّنِّ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ، وَلَا نَقْصَ، فَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ السَّاعِيَ يَخْتَارُ أَنْفَعَهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْحَقَائِقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، وَقِيلَ يَأْخُذُ الْأَوْسَطَ (فَلَوْ أَخَذَ) السَّاعِي (عَنْ ضَأْنٍ) وَهُوَ جَمْعٌ مُفْرَدُهُ لِلذَّكَرِ ضَائِنٌ وَلِلْمُؤَنَّثِ ضَائِنَةٌ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ النُّونِ (مَعْزًا) وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا جَمْعٌ مُفْرَدُهُ لِلذَّكَرِ مَاعِزٌ، وَلِلْمُؤَنَّثِ مَاعِزَةٌ، وَالْمَعْزَاءُ بِمَعْنَى الْمَعْزِ، وَهُوَ مُنَوَّنٌ مُنْصَرِفٌ إذْ أَلِفُهُ لِلْإِلْحَاقِ لَا لِلتَّأْنِيثِ (أَوْ عَكْسَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْقِيمَةِ) كَأَنْ تُسَاوِيَ ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ فِي الْقِيمَةِ جَذَعَةَ الضَّأْنِ، وَعَكْسُهُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالْبَقَرِ عَنْ الْغَنَمِ، وَالثَّالِثُ يُؤْخَذُ الضَّأْنُ عَنْ الْمَعْزِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَقَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْأَوَّلِ كَالْمُهْرِيَّةِ مَعَ الْأَرْحَبِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى جَزْمًا حَيْثُ تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ قِيمَةَ الْجَوَامِيسِ دُونَ قِيمَةِ الْعِرَابِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا عَنْ الْعِرَابِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ مَمْنُوعٌ، بَلْ قَدْ تَزِيدُ قِيمَةُ الْجَوَامِيسِ عَلَيْهَا وَلَعَلَّ مَا ذُكِرَ كَانَ كَذَلِكَ فِي زَمَنِهِ.
المتن وَإِنْ اخْتَلَفَ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَفِي قَوْلٍ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَكْثَرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَغْبَطُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مَا شَاءَ مُقَسَّطًا عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَ ثَلَاثُونَ عَنْزًا وَعَشْرُ نَعْجَاتٍ أَخَذَ عَنْزًا أَوْ نَعْجَةً بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبْعِ نَعْجَةٍ.
الشَّرْحُ (وَإِنْ اخْتَلَفَ) النَّوْعُ (كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ) مِنْ الْغَنَمِ، وكالأرحبية، وَالْمَهْرِيَّةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْجَوَامِيسِ وَالْعَرَابِينِ مِنْ الْبَقَرِ (فَفِي قَوْلٍ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَكْثَرِ) وَإِنْ كَانَ الْأَحَظُّ خِلَافَهُ اعْتِبَارًا بِالْغَلَبَةِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَغْبَطُ) لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ) الْمَالِكُ (مَا شَاءَ) مِنْ النَّوْعَيْنِ (مُقَسَّطًا عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ) رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ (فَإِذَا كَانَ) أَيْ وُجِدَ (ثَلَاثُونَ عَنْزًا) وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ (وَعَشْرُ نَعْجَاتٍ) مِنْ الضَّأْنِ (أَخَذَ) السَّاعِي (عَنْزًا أَوْ نَعْجَةً بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبْعِ نَعْجَةٍ) فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ عَنْزٍ مُجْزِئَةً دِينَارًا وَنَعْجَةٍ مُجْزِئَةً دِينَارَيْنِ لَزِمَهُ عَنْزٌ أَوْ نَعْجَةٌ قِيمَتُهَا دِينَارٌ وَرُبْعٌ، وَفِي عَكْسِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ نَعْجَةٌ أَوْ عَنْزٌ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نَعْجَةٍ وَرُبْعِ عَنْزٍ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِأَعْطَى دُونَ أَخَذَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ لِلْمَالِكِ. .
المتن وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ، وَلَا مَعِيبَةٌ إلَّا مِنْ مِثْلِهَا.
الشَّرْحُ ثُمَّ شَرَعَ فِي أَسْبَابِ النَّقْصِ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْمَرَضُ، وَالْعَيْبُ، وَالذُّكُورَةُ، وَالصِّغَرُ وَرَدَاءَةُ النَّوْعِ. فَقَالَ: (وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ وَلَا مَعِيبَةٌ) مِمَّا تُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (إلَّا مِنْ مِثْلِهَا) بِأَنْ تَمَحَّضَتْ مَاشِيَتُهُ مِنْهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخُنُوثَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي ابْنِ اللَّبُونِ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شُرَكَاءُ فَكَانُوا كَسَائِرِ الشُّرَكَاءِ فَتَكْفِي مَرِيضَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ وَمَعِيبَةٌ مِنْ الْوَسَطِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ مَالُهُ نَقْصًا وَكَمَالًا وَاتَّحَدَ جِنْسًا أَخْرَجَ وَاحِدًا كَامِلًا أَوْ أَكْثَرَ بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ، مِثَالُهُ أَرْبَعُونَ شَاةً نِصْفُهَا مِرَاضٌ أَوْ مَعِيبٌ، وَقِيمَةُ كُلٍّ صَحِيحَةً دِينَارَانِ، وَكُلٍّ مَرِيضَةً أَوْ مَعِيبَةً دِينَارٌ لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ أَوْ مَعِيبَةٍ وَبِجُزْءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ صَحِيحَةٍ، وَذَلِكَ دِينَارٌ وَرُبْعُ عُشْرِ دِينَارٍ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ مَاشِيَتِهِ دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ كَأَنْ وَجَبَ شَاتَانِ فِي غَنَمٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ أَجْزَأَهُ صَحِيحَةٌ بِالْقِسْطِ وَمَرِيضَةٌ.
المتن وَلَا ذَكَرٌ إلَّا إذَا وَجَبَ، وَكَذَا لَوْ تَمَخَّضَتْ ذُكُورًا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ (وَلَا) يُؤْخَذُ (ذَكَرٌ)؛ لِأَنَّ النَّصّ وَرَدَ فِي الْإِنَاثِ (إلَّا إذَا وَجَبَ) كَابْنِ اللَّبُونِ، وَالْحِقِّ وَالذَّكَرِ مِنْ الشِّيَاهِ فِي الْإِبِلِ فِيمَا مَرَّ، وَالتَّبِيعِ فِي الْبَقَرِ (وَكَذَا لَوْ تَمَخَّضَتْ) مَاشِيَتُهُ (ذُكُورًا فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ مِنْ مِثْلِهَا. فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنَ لَبُونٍ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْهَا لِئَلَّا يُسَوِّيَ بَيْنَ النِّصَابَيْنِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ وَالنِّسْبَةِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا تَكُونُ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا بِنِسْبَةِ زِيَادَةِ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ خُمُسَانِ وَخُمُسُ خُمُسٍ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ إلَّا أُنْثَى لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي الْحَدِيث. وَعَلَى هَذَا لَا تُؤْخَذُ أُنْثَى كَانَتْ تُؤْخَذُ لَوْ تَمَخَّضَتْ إنَاثًا بَلْ تُؤْخَذُ أُنْثَى قِيمَتُهَا مَا تَقْتَضِي النِّسْبَةُ. فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا إنَاثًا أَلْفَيْنِ وَقِيمَةُ الْأُنْثَى الْمَأْخُوذَةِ عَنْهَا خَمْسِينَ وَقِيمَتُهَا ذُكُورًا أَلْفًا أَخَذَ عَنْهَا أُنْثَى قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. أَمَّا الْغَنَمُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِإِجْزَاءِ الذَّكَرِ، وَقِيلَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَالْمُنْقَسِمَةُ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا تُؤْخَذُ عَنْهَا إلَّا الْإِنَاثُ كَالْمُتَمَحِّضَةِ إنَاثًا، وَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَأْخُوذَةِ كَوْنُهَا دُونَ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَحْضِ الْإِنَاثِ بِطَرِيقِ التَّقْسِيطِ. فَإِنْ تَعَدَّدَ وَاجِبُهُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أُنْثَى وَاحِدَةٌ أَخْرَجَهَا وَذَكَرًا مَعَهَا.
المتن وَفِي الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ فِي الْجَدِيدِ.
الشَّرْحُ (وَ) يُؤْخَذُ (فِي الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ مِنْ الْجَدِيدِ) كَمَا تُؤْخَذُ الْمَرِيضَةُ مِنْ الْمِرَاضِ، وَلِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْعِنَاقُ هِيَ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْمَعْزِ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْأُمَّهَاتِ عَنْهَا مِنْ الثَّلَاثِ فَيَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِهَا كَمَا سَيَأْتِي أَوْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ، وَيُتَمُّ لَهَا حَوْلٌ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ مَا لَهُ سَنَتَانِ. وَالْقَدِيمُ لَا تُؤْخَذُ إلَّا الْكَبِيرَةُ لَكِنْ دُونَ الْكَبِيرَةِ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْكِبَارِ فِي الْقِيمَةِ. وَحَكَى الْخِلَافُ وَجْهَيْنِ أَيْضًا. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجْتَهِدُ السَّاعِي فِي غَيْرِ الْغَنَمِ، وَيَحْتَرِزُ عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَأْخُذُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا فَوْقَ الْمَأْخُوذِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَوْقَ الْمَأْخُوذِ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَلَوْ تَبَعَّضَتْ مَاشِيَتُهُ إلَى صِغَارٍ وَكِبَارٍ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ وُجُوبُ كَبِيرَةٍ فِي الْجَدِيدِ أَيْ بِالتَّقْسِيطِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْقَدِيمِ يُؤْخَذُ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ فَحِينَئِذٍ يَتَّحِدُ الْقَوْلَانِ.
المتن وَلَا رُبَّى، وَأَكُولَةٌ وَحَامِلٌ، وَخِيَارٌ، إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ.
الشَّرْحُ
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ إجْزَاءِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ صِغَارٍ أَخْرَجَ عَنْهَا شَاةً لَمْ يَجُزْ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْكِبَارِ (وَلَا) تُؤْخَذُ (رُبَّى) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَصْرِ، وَهِيَ الْحَدِيثَةُ الْعَهْدِ بِالنِّتَاجِ شَاةً كَانَتْ أَوْ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً، وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ وِلَادَتِهَا، وَالْجَوْهَرِيُّ إلَى شَهْرَيْنِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُرَبِّي وَلَدَهَا (وَ) لَا تُؤْخَذُ (أَكُولَةٌ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْكَافِ عَلَى التَّخْفِيفِ الْمُسَمَّنَةُ لِلْأَكْلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ (وَ) لَا (حَامِلٌ، وَ) لَا (خِيَارٌ) {لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ} وَلِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَلَا تُؤْخَذُ الْأَكُولَةُ وَلَا الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضُ: أَيْ الْحَامِلُ، وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا كَذَلِكَ أَخَذَ مِنْهَا إلَّا الْحَوَامِلَ فَلَا يُطَالِبُ بِحَامِلٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ مَثَلًا فِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْحَامِلُ شَاتَانِ كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَاسْتَحْسَنَهُ (إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ) فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالزِّيَادَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}.
المتن وَلَوْ اشْتَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ فِي مَاشِيَةٍ زَكَّيَا كَرَجُلٍ، وَكَذَا لَوْ خَلَطَا مُجَاوَرَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا تَتَمَيَّزَ، فِي الْمَشْرَبِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمُرَاحِ وَمَوْضِعِ الْحَلْبِ، وَكَذَا الْفَحْلِ وَالرَّاعِي فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ ثُمَّ شَرَعَ فِي زَكَاةِ الْخُلْطَةِ، وَهِيَ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ خُلْطَةُ شَرِكَةٍ وَتُسَمَّى خُلْطَةَ أَعْيَانٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٌ، وَخُلْطَةُ شُيُوعٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ اشْتَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ) كَاثْنَيْنِ (فِي مَاشِيَةٍ) مِنْ جِنْسٍ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهِيَ نِصَابٌ أَوْ أَقَلُّ وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ فَأَكْثَرُ وَدَامَا عَلَى ذَلِكَ (زَكَّيَا كَرَجُلٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ خُلْطَةَ الْجِوَارِ تُفِيدُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، فَخُلْطَةُ الْأَعْيَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ قَدْ تُفِيدُهُمَا تَخْفِيفًا كَالِاشْتِرَاكِ فِي ثَمَانِينَ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ تَثْقِيلًا كَالِاشْتِرَاكِ فِي أَرْبَعِينَ أَوْ تَخْفِيفًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَتَثْقِيلًا عَلَى الْآخَرِ كَأَنْ مَلَكَا سِتِّينَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا. وَقَدْ لَا تُفِيدُ تَخْفِيفًا وَلَا تَثْقِيلًا كَمِائَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، وَتَأْتِي الْأَقْسَامُ فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ أَيْضًا، وَقَدْ شَرَعَ فِيهَا وَهِيَ النَّوْعُ الثَّانِي فَقَالَ (وَكَذَا لَوْ خَلَطَا مُجَاوَرَةً) وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ أَنَسٍ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ {لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ} نَهَى الْمَالِكَ عَنْ التَّفْرِيقِ وَعَنْ الْجَمْعِ خَشْيَةَ وُجُوبِهَا أَوْ كَثْرَتِهَا، وَنَهَى السَّاعِيَ عَنْهَا خَشْيَةَ سُقُوطِهَا أَوْ قِلَّتِهَا، وَالْخَبَرُ ظَاهِرٌ فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ، وَمِثْلُهَا خُلْطَةُ الشُّيُوعِ، بَلْ أَوْلَى، وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ خُلْطَةَ جِوَارٍ، وَخُلْطَةَ أَوْصَافٍ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَهْلُ الزَّكَاةِ قَيْدٌ فِي الْخُلْطَتَيْنِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ مَوْقُوفًا أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ لَمْ تُؤَثِّرْ الْخُلْطَةُ شَيْئًا، بَلْ يُعْتَبَرُ نَصِيبُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ إنْ بَلَغَ نِصَابَ زَكَاةٍ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ، وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ: الْأَوَّلُ: كَوْنُ الْمَالَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِد لَا غَنَمَ مَعَ بَقَرَةٍ. الثَّانِي: كَوْنُ مَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ نِصَابًا فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ فَأَكْثَرُ، فَلَوْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا عِشْرِينَ مِنْ الْغَنَمِ، فَخَلَطَا تِسْعَةَ عَشَرَ بِمِثْلِهَا وَتَرَكَا شَاتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَا خُلْطَةَ وَلَا زَكَاةَ. الثَّالِثُ: دَوَامُ الْخُلْطَةِ سَنَةً إنْ كَانَ الْمَالُ حَوْلِيًّا، فَلَوْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَخَلَطَا فِي أَوَّلِ صَفَرٍ، فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا خُلْطَةَ فِي الْحَوْلِ، بَلْ إذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِيًّا اُشْتُرِطَ بَقَاؤُهَا إلَى زَهْوِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ فِي النَّبَاتِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَرِكَةِ الْمُجَاوَرَةِ (بِشَرْطِ أَنْ لَا تَتَمَيَّزَ) مَاشِيَةُ أَحَدِهِمَا عَنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ (فِي الْمَشْرَبِ) وَهُوَ مَوْضِعُ شُرْبِ الْمَاشِيَةِ وَلَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي تُوقَفُ فِيهِ عِنْدَ إرَادَةِ سَقْيِهَا وَلَا فِي الَّذِي يُنَحَّى إلَيْهِ لِشُرْبِ غَيْرِهَا (وَ) لَا فِي (الْمَسْرَحِ) وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ ثُمَّ تُسَاقُ إلَى الْمَرْعَى، وَلَا فِي الْمَرْعَى، وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي تَرْعَى فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا اتِّحَادُ الْمَمَرِّ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) لَا فِي (الْمُرَاحِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ: مَأْوَاهَا لَيْلًا (وَ) لَا فِي (مَوْضِع الْحَلَبِ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ يُقَالُ: لِلَبَنٍ وَلِلْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَحُكِيَ سُكُونُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَيَّزَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَصِيرَا كَمَالٍ وَاحِدٍ، وَالْقَصْدُ بِالْخُلْطَةِ أَنْ يَصِيرَ الْمَالَانِ كَمَالٍ وَاحِدٍ لِتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا إلَّا مَشْرَعٌ أَوْ مَرْعًى أَوْ مُرَاحٌ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ، بَلْ لَا بَأْسَ بِتَعَدُّدِهَا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَخْتَصَّ مَاشِيَةُ هَذَا بِمُرَاحٍ وَمَسْرَحٍ وَمَاشِيَةُ ذَاكَ بِمُرَاحٍ وَمَسْرَحٍ (وَكَذَا) يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ (الْفَحْلِ وَالرَّاعِي فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الْفَحْلِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الرَّاعِي، وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ الرُّعَاةِ قَطْعًا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَنْفَرِدَ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ بِرَاعٍ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّحَادُ فِي الرَّاعِي؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ فِيهِ لَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّحَادِ أَنْ يَكُونَ الْفَحْلُ أَوْ الْفُحُولُ مُرْسَلَةً فِيهَا تَنْزُو عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَاشِيَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا تَخْتَصُّ مَاشِيَةُ هَذَا بِفَحْلٍ عَنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِأَحَدِهِمَا أَوْ مُعَارًا لَهُ أَوْ لَهُمَا إلَّا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ قَطْعًا لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْزَاءُ فِي مَكَان وَاحِدٍ كَالْحَلْبِ.
المتن لَا نِيَّةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ
تَنْبِيهٌ: لَوْ افْتَرَقَتْ مَاشِيَتُهُمَا زَمَانًا طَوِيلًا وَلَوْ بِلَا قَصْدِ ضُرٍّ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ لَمْ يَضُرَّ، فَإِنْ عَلِمَا بِهِ وَأَقَرَّاهُ أَوْ قَصَدَا ذَلِكَ أَوْ عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ضَرَّ، وَ (لَا) تُشْتَرَطُ (نِيَّةُ الْخُلْطَةِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ خِفَّةَ الْمُؤْنَةِ بِاتِّحَادِ الْمَوَاقِفِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الِاتِّحَادُ فِيمَا مَرَّ لِيَجْتَمِعَ الْمَالَانِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ وَلِتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِالزَّكَاةِ، وَالثَّانِي: تُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ مُغَيِّرَةٌ لِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِهِ فِي الزِّيَادَةِ وَضَرَرِ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي النُّقْصَانِ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالِبِ وَلَا الْإِنَاءِ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ آلَةِ الْجَزِّ وَلَا خَلْطُ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ. الثَّانِي: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْخَلِيطَيْنِ حَالَةُ انْفِرَادٍ، فَإِنْ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ، فَإِنْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا بِأَنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْبَعِينَ شَاةً. ثُمَّ خَلَطَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَمْ تَثْبُتْ الْخُلْطَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ تَمَامِهَا شَاةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ حَوْلَاهُمَا بِأَنْ مَلَكَ هَذَا غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَهَذَا غُرَّةَ صَفَرٍ وَخَلَطَا غُرَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ حَوْلٍ شَاةٌ، وَإِذَا طَرَأَ الِانْفِرَادُ عَلَى الْخُلْطَةِ، فَمَنْ بَلَغَ مَالُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَمَنْ لَا فَلَا. الثَّالِثُ: أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ التَّرَاجُعِ إذْ يَجُوزُ لِلسَّاعِي الْأَخْذُ مِنْ مَالِ أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَضْطَرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا أَخَذَ شَاةً مَثَلًا مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ قِيمَتِهَا لَا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مِثْلِيَّةٍ، فَلَوْ خَلَطَا مِائَةً بِمِائَةٍ، وَأَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِهِمَا شَاتَيْنِ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ شَاةً فَلَا تَرَاجُعَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا، فَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو خَمْسُونَ وَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاتَيْنِ مِنْ عَمْرٍو رَجَعَ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ مِنْ زَيْدٍ رَجَعَ بِالثُّلُثِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ شَاةٍ رَجَعَ زَيْدٌ بِثُلُثِ قِيمَةِ شَاتِهِ وَعَمْرٌو بِثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ، وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فَوَاجِبُهُمَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِمَا، وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ، فَإِنْ أَخَذَهُمَا السَّاعِي مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا، وَإِنْ أَخَذَهُمَا مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعٍ، وَإِنْ أَخَذَ التَّبِيعَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ، وَالْمُسِنَّةَ مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّبِيعَ مِنْ الْآخَرِ، فَالْمَنْصُوصُ أَنْ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ إلَّا مَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ.
المتن وَالْأَظْهَرُ تَأْثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ وَالْجَرِينُ وَالدُّكَّانُ وَالْحَارِسُ وَمَكَانُ الْحِفْظِ وَنَحْوُهَا.
الشَّرْحُ (وَالْأَظْهَرُ تَأْثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ) بِاشْتِرَاكٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ}؛ وَلِأَنَّ الْمُقْتَضَى لِتَأْثِيرِ الْخُلْطَةِ فِي الْمَاشِيَةِ هُوَ خِفَّةُ الْمُؤْنَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا لِلِاتِّفَاقِ بِاتِّحَادِ الْجَرِينِ وَالنَّاطُورِ وَغَيْرِهِمَا، وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ: لَا تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَوَاشِيَ فِيهَا أَوْقَاصٌ، فَالْخُلْطَةُ فِيهَا تَنْفَعُ الْمَالِكَ تَارَةً وَالْمُسْتَحَقِّينَ أُخْرَى، وَلَا وَقْصَ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي، وَالثَّالِثُ تُؤَثِّرُ فِي خُلْطَةِ الِاشْتِرَاكِ فَقَطْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْجِوَارِ فِي الْمُزَارَعَةِ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ) وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ الْمُعْجَمَةِ: حَافِظُ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ (وَالْجَرِينُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ: مَوْضِع تَجْفِيفِ الثِّمَارِ، وَالْبَيْدَرُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: مَوْضِعُ تَصْفِيَةِ الْحِنْطَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: الْجَرِينُ لِلزَّبِيبِ، وَالْبَيْدَرُ لِلْحِنْطَةِ، وَالْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ لِلتَّمْرِ (وَ) فِي التِّجَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ (الدُّكَّانُ) وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْحَانُوتُ (وَالْحَارِسُ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ (وَمَكَانُ الْحِفْظِ) كَخِزَانَةٍ وَإِنْ كَانَ مَالُ كُلٍّ بِزَاوِيَةٍ (وَنَحْوِهَا) كَالْمِيزَانِ وَالْوَزَّانِ وَالنَّقَّادِ وَالْمُنَادِي وَالْحِرَاثِ وَجُذَاذِ النَّخْلِ وَالْكَيَّالِ وَالْجَمَّالِ وَالْمُتَعَهِّدِ وَالْمُلَقِّحِ وَالْحَصَّادِ وَمَا يُسْقَى بِهِ لَهُمَا، فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَخِيلٌ أَوْ زَرْعٌ مُجَاوِرٌ لِنَخِيلِ الْآخَرِ أَوْ لِزَرْعِهِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِيسٌ فِيهِ نَقْدٌ فِي صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ وَأَمْتِعَةُ تِجَارَةٍ فِي مَخْزَنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ ثَبَتَتْ الْخُلْطَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَيْنِ يَصِيرَانِ بِذَلِكَ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فِي الْمَاشِيَةِ.
المتن وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ شَرْطَانِ: مُضِيُّ الْحَوْلِ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ مَا نُتِجَ مِنْ نِصَابٍ يُزَكَّى بِحَوْلِهِ، وَلَا يُضَمُّ الْمَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْحَوْلِ، فَلَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ صُدِّقَ. فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ، لَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَوْلِ فَعَادَ أَوْ بَادَلَ بِمِثْلِهِ اسْتَأْنَفَ، وَكَوْنُهَا سَائِمَةً، فَإِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا.
الشَّرْحُ (وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ) أَيْ الزَّكَاةِ فِيهَا (شَرْطَانِ) مُضَافَانِ لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِمَا نِصَابًا مِنْ النَّعَمِ، وَلِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَمَالِ الْمِلْكِ وَإِسْلَامِ الْمَالِكِ وَحُرِّيَّتِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ النَّعَمِ؛ لِأَنَّ النَّعَمَ هُوَ الْأَخَصُّ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، الشَّرْطُ الثَّالِثُ (مُضِيُّ الْحَوْلِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَالَ: أَيْ ذَهَبَ وَأَتَى غَيْرُهُ (فِي مِلْكِهِ) لِحَدِيثِ {لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ (لَكِنْ مَا نُتِجَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِنْ نِصَابٍ) وَتَمَّ انْفِصَالُهُ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ النِّصَابِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ (يُزَكَّى بِحَوْلِهِ) أَيْ النِّصَابُ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ النِّصَابِ بِالسَّبَبِ الَّذِي مَلَكَ بِهِ النِّصَابَ إنْ اقْتَضَى الْحَالُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ لِقَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِسَاعِيهِ: اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ. بِالسَّخْلَةِ، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ؛ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ الْحَاصِلِ، وَالنِّتَاجُ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَوَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا سَخْلَةً قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَالْأُمَّهَاتُ كُلُّهَا بَاقِيَةٌ لَزِمَهُ شَاتَانِ، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَ مِنْهَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ مَاتَتْ كُلُّهَا وَبَقِيَ النِّتَاجُ نِصَابًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ مَا يَكْمُلُ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى زَكَّى بِحَوْلِ الْأَصْلِ. أَمَّا لَوْ انْفَصَلَ النِّتَاجُ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَهُ كَجَنِينٍ خَرَجَ بَعْضُهُ فِي الْحَوْلِ وَلَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمْ يَكُنْ حَوْلُ النِّصَابِ حَوْلَهُ لِانْقِضَاءِ حَوْلِ أَصْلِهِ؛ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى بِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: نُتِجَ عَنْ الْمُسْتَفَادِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِقَوْلِهِ: مِنْ نِصَابٍ عَمَّا نُتِجَ مِنْ دُونِهِ كَعِشْرِينَ شَاةً فَتَجِبُ عِشْرُونَ وَفُحُولُهَا مِنْ حِينِ تَمَامِ النِّصَابِ، وَبِقَوْلِنَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا إلَخْ عَمَّا لَوْ أَوْصَى بِالْحَمْلِ لِشَخْصٍ لَمْ يَضُمَّ النِّتَاجَ لِحَوْلِ الْوَارِثِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى الْمُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ بِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِمَالِكِ الْأُمَّهَاتِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ حَصَلَ النِّتَاجُ لَمْ يُزَكَّ بِحَوْلِ الْأَصْلِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَوْلَى وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ كَانَ النِّتَاجُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْأُمَّهَاتِ بِأَنْ حَمَلَتْ الضَّأْنُ بِمَعْزٍ وَبِالْعَكْسِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْمِيلِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ. فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ السَّوْمُ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ فَكَيْفَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي النِّتَاجِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ خَاصٌّ بِغَيْرِ النِّتَاجِ التَّابِعِ لِأُمِّهِ فِي الْحَوْلِ وَلَوْ سَلِمَ عُمُومُهُ لَهُ، فَاللَّبَنُ كَالْكَلَأِ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَلَأِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي تَشْرَبُهُ مِنْهُ السَّخْلَةُ لَا يُعَدُّ مُؤْنَةً فِي الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسْتَخْلَفُ إذَا حُلِبَ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمَاءِ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ وَإِنْ عُدَّ شُرْبُهُ مُؤْنَةً إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ فِي سَقْيِ السَّخْلَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْلِبَ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْوُضُوءِ، فَكَذَا لَبَنُ الشَّاةِ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى السَّخْلَةِ فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ: وَفَائِدَةُ الضَّمِّ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا بَلَغَتْ بِالنِّتَاجِ نِصَابًا آخَرَ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةً شَاةٍ فَنَتَجَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَيَجِبُ شَاتَانِ، فَلَوْ نَتَجَتْ عَشْرَةً فَقَطْ لَمْ يَفْدِ ا هـ. وَاعْتُرِضَ بِظُهُورِ فَائِدَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ نِصَابًا آخَرَ عِنْدَ التَّلَفِ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ فَوَلَدَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْأُمَّهَاتِ عِشْرُونَ (وَلَا يُضَمُّ الْمَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَهِبَةٍ وَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ إلَى مَا عِنْدَهُ (فِي الْحَوْلِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ، خَرَجَ النِّتَاجُ لِمَا مَرَّ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَثْرَةِ فِيهِ بَلَغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، فَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرًا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوَّلَ رَجَبٍ، فَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ وَلِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ، وَعِنْدَ تَمَامِ كُلِّ حَوْلٍ لِلْعَشْرِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ (فَلَوْ ادَّعَى) الْمَالِكُ (النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ) أَوْ أَنَّهُ اسْتَفَادَهُ بِنَحْوِ شِرَاءٍ وَادَّعَى السَّاعِي خِلَافَهُ وَاحْتُمِلَ مَا يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا (صُدِّقَ) الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ وَالْأَصْلُ مَعَهُ (فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ) اسْتِحْبَابًا احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِنْ نَكَلَ تُرِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَا الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ. الشَّرْطُ الرَّابِع: بَقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْمَاشِيَةِ جَمِيعَ الْحَوْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (لَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَوْلِ) عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَعَادَ) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ بَادَلَ بِمِثْلِهِ) مُبَادَلَةً صَحِيحَةً لَا لِلتِّجَارَةِ بِغَيْرِ الصَّرْفِ كَإِبِلٍ بِإِبِلٍ، أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ: كَإِبِلٍ بِبَقَرٍ (اسْتَأْنَفَ) الْحَوْلَ لِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَهُ فَصَارَ مِلْكًا جَدِيدًا فَلَا بُدَّ مِنْ حَوْلٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ وَبِقَوْلِهِ بِمِثْلِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاسْتِئْنَافُ عِنْدَ طُولِ الزَّمَنِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنْ الْقُرْبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَهَا وَلِلْفِرَارِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَفْهَمُهُ كَلَامُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَقَصْدُ الْفِرَارِ بِمَا إذَا اتَّخَذَ ضَبَّةً صَغِيرَةً لِزِينَةٍ وَحَاجَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّبَّةَ فِيهَا اتِّخَاذٌ، فَقَوِيَ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الْفِرَارِ، فَلَوْ عَاوَضَ غَيْرَهُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا بِتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا زَكَّى الدِّينَارَ لِحَوْلِهِ، وَالتِّسْعَةَ عَشَرَ لِحَوْلِهَا. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: يَحْرُمُ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَزَادَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ فِي الْبَاطِنِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَفْعَلُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْعِلْمُ عِلْمَانِ: ضَارٌّ وَنَافِعٌ. قَالَ: وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الضَّارِّ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يَكُونُ آثِمًا بِقَصْدِهِ لَا بِفِعْلِهِ. أَمَّا الْمُبَادَلَةُ الْفَاسِدَةُ فَلَا تَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ، وَيَتَنَاوَلُ كَلَامُهُ مَا إذَا بَاعَ النَّقْدَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِلتِّجَارَةِ: كَالصَّيَارِفَةِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَأْنِفُونَ الْحَوْلَ كُلَّمَا بَادَلُوا، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ الرَّدِّ، فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ امْتَنَعَ الرَّدُّ فِي الْحَالِ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ، فَهُوَ عَيْبٌ، حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَتَأْخِيرُ الرَّدِّ بِإِخْرَاجِهَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا. فَإِنْ سَارَعَ إلَى إخْرَاجِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهَا نُظِرَ. فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَاجِبَهُ لَمْ يَرُدَّ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ رُدَّ، إذْ لَا شَرِكَةَ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَدَاءِ مِنْ مَالٍ آخَرَ: أَيْ إذَا بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ. أَمَّا إذَا بَاعَ فِضَّةً بِذَهَبٍ أَوْ عَكْسُهُ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى بَيْعِهِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، أَوْ مَوْقُوفًا بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ فُسِخَ اسْتَأْنَفَ الْبَائِعُ الْحَوْلَ، وَإِنْ أَجَازَ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَحَوْلُهُ مِنْ الْعَقْدِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ اسْتَأْنَفَ الْوَارِثُ حَوْلَهُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، وَمِلْكُ الْمُرْتَدِّ وَزَكَاتُهُ وَحَوْلُهُ مَوْقُوفَاتٌ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا بَقَاءَ فِي مِلْكِهِ وَحَوْلِهِ وَوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ: (كَوْنُهَا سَائِمَةً) أَيْ رَاعِيَةً، فَفِي خَبَرِ أَنَسٍ " وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إلَخْ " دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، وَقِيسَ بِهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ {فِي كُلِّ سَائِمَةِ إبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ}. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَاخْتَصَّتْ السَّائِمَةُ بِالزَّكَاةِ لِتَوَفُّرِ مُؤْنَتِهَا بِالرَّعْيِ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ (فَإِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْلِ) لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَوْ مُفَرَّقًا (فَلَا زَكَاةَ) فِيهَا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْأَحْكَامِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عُلِفَتْ دُونَ الْمُعْظَمِ (فَالْأَصَحُّ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَجَبَتْ) زَكَاتُهَا لِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِدُونِهِ أَوْ تَعِيشُ وَلَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ (فَلَا) تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ لِظُهُورِ الْمُؤْنَةِ، وَالْمَاشِيَةُ تَصْبِرُ الْيَوْمَيْنِ وَلَا تَصْبِرُ الثَّلَاثَةَ غَالِبًا. وَالثَّانِي إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا بَعْدَ مُؤْنَةٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى رِفْقِ الْمَاشِيَةِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَجَبَتْ، وَفَسَّرَ الرِّفْقَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا، وَلَوْ أُسِيمَتْ فِي كَلَأٍ مَمْلُوكٍ، فَهَلْ هِيَ سَائِمَةٌ أَوْ مَعْلُوفَةٌ ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَأَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ أَنَّهَا سَائِمَةٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْكَلَأِ غَالِبًا تَافِهَةٌ وَلَا كُلْفَةَ فِيهِ لِعَدَمِ جَزِّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَعْلُوفَةٌ لِوُجُودِ الْمُؤْنَةِ، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهَا سَائِمَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَأِ قِيمَةٌ أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَسِيرَةً لَا يُعَدُّ مِثْلُهَا كُلْفَةً فِي مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا وَإِلَّا فَمَعْلُوفَةٌ، أَمَّا إذَا جَزَّهُ وَأَطْعَمَهَا إيَّاهُ وَلَوْ فِي الْمَرْعَى فَلَيْسَتْ سَائِمَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي.
المتن وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ، أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ فِي حَرْثٍ وَنَضْحٍ وَنَحْوِهِ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ (وَلَوْ سَامَتْ) الْمَاشِيَةُ (بِنَفْسِهَا) أَوْ بِالْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ إسَامَةِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ دُونَ قَصْدِ الِاعْتِرَافِ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَصْدُهُ، وَالِاعْتِلَافُ يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهَا (أَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ) بِنَفْسِهَا أَوْ عَلَفَهَا الْغَاصِبُ الْقَدْرَ الْمُؤَثِّرَ مِنْ الْعَلَفِ فِيهِمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ السَّوْمِ، وَكَالْغَاصِبِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا (أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ) لِلْمَالِكِ أَوْ بِأُجْرَةٍ (فِي حَرْثٍ وَنَضْحٍ) وَهُوَ حَمْلُ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ (وَنَحْوِهِ) كَحَمْلِ غَيْرِ الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا (فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَنَى لِلنَّمَاءِ بَلْ لِلِاسْتِعْمَالِ كَثِيَابِ الْبَدَنِ وَمَتَاعِ الدَّارِ، فَقَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا الْقَدْرَ الَّذِي لَوْ عَلَفَهَا فِيهِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ كَمَا نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مُحَرَّمٍ وَبَيْنَ الْحُلِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحِلُّ وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْحُرْمَةُ إلَّا مَا رُخِّصَ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ الْمَاشِيَةُ فِي الْمُحَرَّمِ رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْفِعْلِ الْخَسِيسِ، وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ الْحُلِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي أَصْلِهِ، وَلَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْعَلَفِ. وَلَوْ قَصَدَ بِالْعَلَفِ قَطْعَ السَّوْمِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَالْكَلَأُ الْمَغْصُوبُ كَالْمَمْلُوكِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِسَامَةُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ حَتَّى لَوْ غُصِبَتْ وَهِيَ مَعْلُوفَةٌ فَرَدَّهَا الْغَاصِبُ إلَى الْحَاكِمِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ فَأَسَامَهَا الْحَاكِمُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ إسَامَةَ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَإِسَامَةِ الرَّشِيدِ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْحَظُّ لِلْمَحْجُورِ فِي تَرْكِهَا فَهَذَا مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ ا هـ. وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، بَلْ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِسَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ سَائِمَةً وَدَامَتْ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِرْثِهَا إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ يُسِمْهَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا ا هـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسَامَةِ الْوَارِثِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِسَامَةُ الْمَالِكِ الْمَاشِيَةَ فَلَا تَجِبُ فِي سَائِمَةٍ وَرِثَهَا وَتَمَّ حَوْلُهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ.
المتن وَإِذَا وَرَدَتْ مَاءً أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ.
الشَّرْحُ (وَإِذَا وَرَدَتْ) أَيْ الْمَاشِيَةُ (مَاءً أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ)؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْمَالِكِ وَالسَّاعِي وَأَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ مِنْ الْمَرْعَى فَلَا يُكَلِّفُهُمْ السَّاعِي رَدَّهَا إلَى الْبَلَدِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمَرْعَى، وَفِي الْحَدِيثِ {تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مِيَاهِهِمْ} رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
المتن وَإِلَّا فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا.
الشَّرْحُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَاشِيَتَانِ عِنْدَ مَاءَيْنِ أُمِرَ بِجَمْعِهِمَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَرِدْ الْمَاءَ بِأَنْ اسْتَغْنَتْ عَنْهُ فِي زَمَنِ الرَّبِيعِ بِالْكَلَأِ (فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا) وَأَفْنِيَتِهِمْ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ {تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَأَفْنِيَتِهِمْ} وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْحَالَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ.
المتن وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً، وَإِلَّا فَتُعَدُّ عِنْدَ مَضِيقٍ.
الشَّرْحُ (وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ) وَأَوْلَى مِنْهُ الْمُخْرِجُ لِيَشْمَلَ الْوَلِيَّ وَالْوَكِيلَ (فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعُدَّهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً أَوْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ عَدَدَهَا (فَتُعَدُّ) وَالْأَسْهَلُ عَدُّهَا (عِنْدَ مَضِيقٍ) تَمُرُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ فَتَمُرُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَبِيَدِ كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالسَّاعِي أَوْ نَائِبِهِمَا قَضِيبٌ يُشِيرَانِ بِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ يُصِيبَانِ بِهِ ظَهْرَهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَدَدِ وَكَانَ الْوَاجِبُ يَخْتَلِفُ بِهِ أَعَادَا الْعَدَّ. فَائِدَةٌ: إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مُسْتَوْحِشَةً وَكَانَ فِي أَخْذِهَا وَإِمْسَاكِهَا مَشَقَّةٌ كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمَهُ إلَى السَّاعِي، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ إمْسَاكُهَا إلَّا بِعِقَالٍ كَانَ عَلَى الْمَالِكِ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا حَمَلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: " وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا "؛ لِأَنَّ الْعِقَالَ هُنَا مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ لِلسَّاعِي إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَالِكِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْخَيْرِ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، فَيَقُولُ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ الدُّعَاءَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ: إنْ سَأَلَهُ الْمَالِكُ وَجَبَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ: خِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: يُحَرَّمُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالسَّلَامُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْمُخَاطَبَةَ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَيُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ أَعْطَى زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً أَوْ نَحْوَهَا: أَيْ مِنْ إلْقَاءِ دَرْسٍ أَوْ تَصْنِيفٍ أَوْ أَتَى بِوِرْدٍ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ
المتن تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ، وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ: الرُّطَبُ: وَالْعِنَبُ، وَمِنْ الْحَبِّ: الْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالْأَرُزُّ، وَالْعَدَسُ، وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيَارًا.
الشَّرْحُ (بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ) النَّبَاتُ يَكُونُ مَصْدَرًا تَقُولُ نَبَتَ الشَّيْءُ نَبَاتًا، وَاسْمًا بِمَعْنَى النَّابِتِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَيَنْقَسِمُ إلَى شَجَرٍ وَهُوَ مَا لَهُ سَاقٌ وَنَجْمٍ وَهُوَ مَا لَا سَاقَ لَهُ كَالزَّرْعِ. قَالَ تَعَالَى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِي النَّوْعَيْنِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِالنَّبَاتِ لِشُمُولِهِ لَهُمَا، لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ: إنَّ اسْتِعْمَالَ النَّبَاتِ فِي الثِّمَارِ غَيْرُ مَأْلُوفٍ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَقَوْلُهُ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَهُوَ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرَهَا (تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ)؛ لِأَنَّ الِاقْتِيَاتَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الشَّارِعُ مِنْهُ شَيْئًا لِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ، بِخِلَافِ مَا يُؤْكَلُ تَنَعُّمًا أَوْ تَأَدُّمًا كَالتِّينِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ. وَالْقُوتُ أَشْرَفُ النَّبَاتِ، وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ بَدَنُ الْإِنْسَانِ مِنْ الطَّعَامِ، قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبَقَاءِ نَفْعِهِ فِي الْمَعِدَةِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُقِيتُ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي أَقْوَاتَ الْخَلَائِقِ، وَدَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رِزْقَ آلِهِ قُوتًا: أَيْ بِقَدْرِ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ مِنْ الطَّعَامِ. وَقَالَ: {كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ} : أَيْ مَنْ يَلْزَمُهُ قُوتُهُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ عِيَالِهِ. وَقَالَ {قَوِّتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ}، سَأَلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ فَقَالَ: صِغَرُ الْأَرْغِفَةِ (وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ) بِالْإِجْمَاعِ (وَمِنْ الْحَبِّ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ) بِفَتْحِ الشِّينِ، وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا (وَالْأَرُزُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ فِي أَشْهَرِ اللُّغَاتِ (وَالْعَدَسِ) بِفَتْحِ الدَّالِ، وَمِثْلُهُ الْبِسِلَّاءُ (وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيَارًا) كَالْحِمِّصِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْبَاقِلَاءُ، وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ، وَتُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ الْمَدِّ وَتُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَقَدْ تُقْصَرُ: الْفُولُ وَالذُّرَةُ، وَهِيَ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ، وَالْهُرْطُمَانُ، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَالْمَاشُ: وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ مِنْهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِوُرُودِهَا فِي بَعْضِهِ فِي الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَاقِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ {لَا تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ} فَالْحَصْرُ فِيهِ إضَافِيٌّ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُمْ، لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالسَّيْلُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ} وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ {فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَضْبُ فَعَفْوٌ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} وَالْقَضْبُ بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: الرَّطْبُ بِسُكُونِ الطَّاءِ، وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ: كَخُوخٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ وَلَوْزٍ وَجَوْزِ هِنْدٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ، وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ اضْطِرَارًا مِنْ حُبُوبِ الْبَوَادِي كَحَبِّ الْحَنْظَلِ وَحَبِّ الْغَسُولِ وَهُوَ أُشْنَانٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِي الْوَحْشِيَّاتِ مِنْ الظِّبَاءِ وَنَحْوِهَا وَأَبْدَلَ التَّنْبِيهُ قَيَّدَ الِاخْتِيَارَ بِمَا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَنْبِتُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبًّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَنَبَتَ بِأَرْضِنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالنَّخْلِ الْمُبَاحِ بِالصَّحْرَاءِ، وَكَذَا ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةُ الْقَرْيَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ: إذْ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ. وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ كَانَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ تَمَّمَهُ.
المتن وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالْقُرْطُمِ، وَالْعَسَلِ.
الشَّرْحُ (وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: " فِي الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ "، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ فِي الْقَدِيمِ، فَلِذَلِكَ أَوْجَبَهُ لَكِنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ (وَ) فِي (الزَّعْفَرَانِ، وَ) فِي (الْوَرْسِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ، رُوِيَ فِي الزَّعْفَرَانِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ، وَأُلْحِقَ الْوَرْسُ بِهِ: وَهُوَ نَبْتٌ أَصْفَرُ يُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ وَهُوَ كَثِيرٌ بِالْيَمَنِ (وَ) فِي (الْقُرْطُمِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وَضَمِّهِمَا حَبُّ الْعُصْفُرُ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْهُ (وَ) فِي (الْعَسَلِ) سَوَاءٌ كَانَ نَحْلُهُ مَمْلُوكًا أَمْ أُخِذَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الْمُبَاحَةِ. لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ. لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَصِحَّ فِي زَكَاتِهِ شَيْءٌ. فَائِدَةٌ: لُعَابُ عَسَلِ النَّحْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُجْمَعُ إذَا أَرَدْتَ أَنْوَاعَهُ عَلَى أَعْسَالٍ وَعُسُلٍ وَعُسُولٍ وَعُسْلَانٍ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحَافِظُ الْأَمِينُ. قَالَ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ وَيَصْطَفِيه، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غَدَوَاتٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنْ الْبَلَاءِ} وَفِيهِ أَيْضًا {عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ} فَجَمَعَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الطِّبِّ الْبَشَرِيِّ وَالطِّبِّ الْإِلَهِيِّ، وَبَيْنَ طِبِّ الْأَجْسَادِ وَطِبِّ الْأَنْفُسِ، وَبَيْنَ السَّبَبِ الْأَرْضِيِّ وَالسَّبَبِ السَّمَاوِيِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، فَعَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْقُرْآنِ وَالْعَسَلِ.
المتن وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَهِيَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٌ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ (وَنِصَابُهُ) أَيْ الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالْوَسْقُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، سَمَّى بِهِ هَذَا الْمِقْدَارَ لِأَجْلِ مَا جَمَعَهُ مِنْ الصِّيعَانِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} أَيْ جَمَعَ (وَهِيَ) أَيْ الْأَوْسُقُ الْخَمْسَةُ (أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ)؛ لِأَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فَمَجْمُوعُ الْخَمْسَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَيَكُونُ النِّصَابُ أَلْفَ مُدٍّ وَمِائَتَيْ مُدٍّ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلَ وَقُدِّرَتْ بِالْبَغْدَادِيِّ؛ لِأَنَّهُ الرِّطْلُ الشَّرْعِيُّ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ (وَبِالدِّمَشْقِيِّ) وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةُ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ)؛ لِأَنَّ الرِّطْلَ الدِّمَشْقِيَّ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَعِنْدَ الرَّافِعِيِّ: أَنَّ الرِّطْلَ الْبَغْدَادِيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ الْمُدُّ مِائَةً وَثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَ دِرْهَمٍ، وَالصَّاعُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ وَثُلُثٌ فَاضْرِبْ سِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثًا وَتِسْعِينَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ تَبْلُغْ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ آلَافٍ، وَاجْعَلْ كُلَّ سِتِّمِائَةِ رِطْلٍ يَتَحَصَّلْ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ) أَنَّهَا بِالدِّمَشْقِيِّ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) أَيْ فَإِذَا ضُرِبَ ذَلِكَ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَقُسِمَ عَلَى الرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ بَلَغَ ذَلِكَ وَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ الرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تِسْعُونَ مِثْقَالًا، وَالْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فَيُضْرَبُ بَسْطُ الْكَسْرِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي عَدَدِ تَكَرُّرِهِ وَهُوَ تِسْعُونَ تَبْلُغْ مِائَتَيْنِ وَسَبْعِينَ يُقْسَمُ عَلَى مَخْرَجِهِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ يَخْرُجُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ يُجْمَعُ مَعَ الدَّرَاهِمِ يَخْرُجْ مَا قَالَهُ (وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ، وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بَيَانُهُ أَنْ تَضْرِبَ مَا سَقَطَ مِنْ كُلِّ رِطْلٍ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ تَبْلُغُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ تُسْقِطُ ذَلِكَ مِنْ مَبْلَغِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِالْقِسْمَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ مِائَتَا أَلْفٍ وَخَمْسَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَا دِرْهَمٍ، فَمِائَتَا أَلْفٍ وَخَمْسَةُ آلَافٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَسُبْعَا دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ سِتَّةٍ أَسْبَاعِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّ سُبْعَهُ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ إلَى ضَبْطِ الْأَوْسُقِ بِالْأَرْطَالِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا الْبَغْدَادِيَّةِ وَلَا الدِّمَشْقِيَّةِ بَلْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ بِالْمَنِّ الصَّغِيرِ ثَمَانِمِائَةِ مَنٍّ، وَبِالْكَبِيرِ الَّذِي وَزْنُهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَثُلُثَا مَنٍّ فَاخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَبَقَ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرِّطْلَ الدِّمَشْقِيَّ، مُسَاوٍ لِلْمَنِّ الْكَبِيرِ، وَالْمَنُّ الصَّغِيرُ رِطْلَانِ بِالْبَغْدَادِيِّ وَالنِّصَابُ الْمَذْكُورُ تَحْدِيدٌ كَمَا صَحَّحَاهُ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ، وَكَمَا فِي نِصَابِ الْمَوَاشِي وَغَيْرِهَا، وَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْكَيْلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا أَوْ إذَا وَافَقَ الْكَيْلَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْوَزْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ الْوَسَطُ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْخَفِيفِ وَالرَّزِينِ فَكَيْلُهُ بِالْإِرْدَبِّ الْمِصْرِيِّ قَالَ الْقَمُولِيُّ: سِتَّةُ أَرَادِبَ وَرُبْعُ إرْدَبٍّ يَجْعَلُ الْقَدَحَيْنِ صَاعًا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: خَمْسَةُ أَرَادِبَ وَنِصْفُ إرْدَبٍّ وَثُلُثٌ فَقَدْ اعْتَبَرْتُ الْقَدَحَ الْمِصْرِيَّ بِالْمُدِّ الَّذِي حَرَّرْتُهُ فَوَسِعَ مُدَّيْنِ وَسُبْعًا تَقْرِيبًا فَالصَّاعُ قَدَحَانِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَيْبَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ فَثَلَاثُونَ صَاعًا ثَلَاثُ وَيْبَاتٍ وَنِصْفٌ فَثُلْثُمِائَةِ صَاعٍ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَيْبَةً، وَهِيَ خَمْسَةُ أَرَادِبَّ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ، فَالنِّصَابُ عَلَى قَوْلِهِ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَدَحًا، وَعَلَى قَوْلِ الْقَمُولِيِّ سِتُّمِائَةٍ، وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ أَوْجَهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ قَوْلَ السُّبْكِيّ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الصَّاعَ قَدَحَانِ تَقْرِيبًا.
المتن وَيُعْتَبَرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إنْ تَتَمَّرَ وَتَزَبَّبَ، وَإِلَّا فَرُطَبًا وَعِنَبًا.
الشَّرْحُ (وَيُعْتَبَرُ) فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَالَةَ كَوْنِهِ (تَمْرًا) بِالْمُثَنَّاةِ (أَوْ زَبِيبًا) هَذَا (إنْ تَتَمَّرَ) الرُّطَبُ (وَتَزَبَّبَ) الْعِنَبُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَاعْتُبِرَ الْأَوْسُقُ مِنْ التَّمْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا لَمْ يَتَتَمَّرْ الرُّطَبُ وَلَمْ يَتَزَبَّبْ الْعِنَبُ (فَرُطَبًا وَعِنَبًا) أَيْ فَيُوسَقُ رُطَبًا وَعِنَبًا وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهِمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ ذَلِكَ بِالْخَضْرَاوَاتِ؛ لِأَنَّ جِنْسَهُ مِمَّا يَجِفُّ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهُ نَادِرٌ، وَيُضَمُّ مَا لَا يَجِفُّ مِنْهُمَا إلَى مَا يَجِفُّ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَإِذَا كَانَ يَجِفُّ، إلَّا أَنَّ جَافَّهُ يَكُونُ رَدِيئًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَا يَجِفُّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ ضَرَّ مَا يَتَجَفَّفُ بِأَصْلِهِ لِامْتِصَاصِ مَائِهِ لِعَطَشٍ قُطِعَتْ. وَأُخْرِجَ الْوَاجِبُ مِنْ رُطَبِهَا، وَيَجِبُ اسْتِئْذَانُ الْعَامِلِ فِي قَطْعِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قَطَعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَثِمَ وَعُزِّرَ، وَعَلَى السَّاعِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، وَقِيلَ يُسَنُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِقَطْعِ الْبَعْضِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا.
المتن وَالْحَبِّ مُصَفًّى مِنْ تِبْنِهِ وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ فَعَشَرَةُ أَوْسُقٍ.
الشَّرْحُ (وَ) يُعْتَبَرُ فِي (الْحَبِّ) بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُصَفًّى مِنْ تِبْنِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ فِيهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَعَهُ (وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ) وَلَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ (كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ: نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ كَمَا سَيَأْتِي (فَ) نِصَابُهُ (عَشَرَةُ أَوْسُقٍ) اعْتِبَارًا بِقِشْرِهِ الَّذِي ادِّخَارُهُ فِيهِ أَصْلَحُ لَهُ أَوْ أَبْقَى بِالنِّصْفِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَصْفِيَتُهُ مِنْ قِشْرِهِ وَأَنَّ قِشْرَهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ. فَلَوْ كَانَتْ الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَحْصُلُ مِنْ دُونِ الْعَشَرَةِ اعْتَبَرْنَاهُ أَوَّلًا يَحْصُلُ مِنْ الْعَشَرَةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: وَلَا تَدْخُلُ قِشْرَةُ الْبَاقِلَاءُ السُّفْلَى فِي الْحِسَابِ؛ لِأَنَّهَا غَلِيظَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ. وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْوَجْهُ تَرْجِيحُ الدُّخُولِ أَوْ الْجَزْمُ بِهِ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَنْصُوصُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ النَّصَّ فِي الْعَلَسِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا الْبَاقِلَاءُ وَالْحِمَّصُ وَالشَّعِيرُ فَيُطْحَنُ فِي قِشْرِهِ وَيُؤْكَلُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اعْتَبَرْنَاهُ مَعَ قِشْرِهِ، وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ النَّصِّ. وَلَا أَثَرَ لِلْقِشْرَةِ الْحَمْرَاءِ اللَّاصِقَةِ بِالْأَرُزِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ غَيْرِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَرُزَّ وَالْعَلَسَ ذُكِرَا مِثَالًا وَأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ غَيْرُهُمَا يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَيْسَ. غَيْرُهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
المتن وَلَا يُكَمَّلُ جِنْسٌ بِجِنْسٍ، وَيُضَمُّ النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عَسُرَ أَخْرَجَ الْوَسَطَ، وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا، وَالسُّلْتُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ، وَقِيلَ: شَعِيرٌ، وَقِيلَ حِنْطَةٌ وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ إلَى آخَرَ، وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ، وَقِيلَ: إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جَذَاذِ الْأَوَّلِ لَمْ يُضَمَّ.
الشَّرْحُ (وَلَا يُكَمَّلُ) فِي النِّصَابِ (جِنْسٌ بِجِنْسٍ) أَمَّا التَّمْرُ مَعَ الزَّبِيبِ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَأَمَّا الْحِنْطَةُ مَعَ الشَّعِيرِ وَالْعَدَسُ مَعَ الْحِمَّصِ فَبِالْقِيَاسِ (وَيُضَمُّ) فِيهِ (النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ) كَأَنْوَاعِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ وَإِنْ تَبَايَنَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا (وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ) مِنْ النَّوْعَيْنِ أَوْ الْأَنْوَاعِ (بِقِسْطِهِ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي. فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُخْرِجُ نَوْعًا مِنْهَا بِشَرْطِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالتَّوْزِيعِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُؤْخَذُ الْبَعْضُ مِنْ هَذَا وَالْبَعْضُ مِنْ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ (فَإِنْ عَسُرَ) لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَقِلَّةِ الْحَاصِلِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ (أَخْرَجَ الْوَسَطَ) مِنْهَا لَا أَعْلَاهَا وَلَا أَدْنَاهَا رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَقِيلَ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْغَالِبِ، وَيَجْعَلُ غَيْرَهُ تَبَعًا لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ لَوْ تَكَلَّفَ، وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا) وَهُوَ قُوتُ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ يَكُونُ فِي الْكِمَامِ حَبَّتَانِ وَثَلَاثٌ وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ حِنْطَةٌ تُوجَدُ بِالشَّامِ، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِالشَّامِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ بِزَمَنِهِ دُونَ زَمَنِ الرَّادِّ (وَالسُّلْتُ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ (جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ) فَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ (وَقِيلَ: شَعِيرٌ) فَيُضَمُّ إلَيْهِ لِشَبَهِهِ بِهِ فِي بُرُودَةِ الطَّبْعِ (وَقِيلَ: حِنْطَةٌ) فَيُضَمُّ إلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِهَا لَوْنًا أَوْ مَلَاسَةً. وَالْأَوَّلُ قَالَ: اكْتَسَبَ مِنْ تَرَكُّبِ الشَّبَهَيْنِ طَبْعًا انْفَرَدَ بِهِ وَصَارَ أَصْلًا بِرَأْسِهِ (وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ (إلَى) ثَمَرِ وَزَرْعِ عَامٍ (آخَرَ) وَلَوْ فُرِضَ اطِّلَاعُ ثَمَرِ الْعَامِ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ (وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ) الْوَاحِدِ (بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ) لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَبِلَادِهِ حَرَارَةً أَوْ بُرُودَةً كَنَجْدٍ وَتِهَامَةَ فَتِهَامَةُ حَارَّةٌ يُسْرِعُ إدْرَاكُ الثَّمَرِ بِهَا بِخِلَافِ نَجْدٍ لِبَرْدِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً. قَالَ شَيْخُنَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الضَّمِّ هُنَا بِإِطْلَاعِهِمَا فِي عَامٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَطْعِ فَيُضَمُّ طَلْعُ نَخْلِهِ إلَى الْآخَرِ إنْ طَلَعَ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ (وَقِيلَ: إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَإِهْمَالِ الدَّالَيْنِ وَإِعْجَامِهِمَا: أَيْ قَطْعِهِ (لَمْ يُضَمَّ)؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ ثَمَرَ عَامَيْنِ، وَصَحَّحَ هَذَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ اطَّلَعَ الثَّانِي قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ ضُمَّ إلَيْهِ جَزْمًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَثْمَرَ نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ فَلَا ضَمَّ بَلْ هُمَا كَثَمَرَةِ عَامَيْنِ، وَالْأَصَحُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّ وَقْتَ الْجِذَاذِ كَالْجِذَاذِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نَخْلَةٌ تِهَامِيَّةٌ تَحْمِلُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَنَجْدِيَّةٌ تُبْطِئُ بِحَمْلِهَا فَحَمَلَتْ النَّجْدِيَّةُ بَعْدَ جِذَاذِ حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ فِي الْعَامِ ضَمَّ ثَمَرَ النَّجْدِيَّةِ إلَى ثَمَرِ التِّهَامِيَّةِ، فَإِنْ أَدْرَكَ حَمْلَ التِّهَامِيَّةِ الثَّانِي لَمْ يُضَمَّ إلَيْهَا، وَلَوْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَمْنَاهَا إلَيْهَا لَزِمَهُ ضَمُّهُ إلَى حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ.
المتن وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ وَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ.
الشَّرْحُ (وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ زِرَاعَتُهُمَا فِي الْفُصُولِ لِمَا مَرَّ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الذُّرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُزْرَعُ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ وَالصَّيْفِ (وَالْأَظْهَرُ) فِي الضَّمِّ (اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ) وَاحِدَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَنَةُ الزَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الزَّرْعَانِ فِي سَنَةٍ إذْ الْحَصَادُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَعِنْدَهُ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ وَالثَّانِي لَا اعْتِبَارَ بِوُقُوعِ الزَّرْعَيْنِ فِي سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ حَصَادُ الثَّانِي خَارِجًا عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْحَصَادَ فَرْعُهُ وَثَمَرَتُهُ، وَحَكَيَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ أُخَرَ فَجُمْلَةُ ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَالْأَوَّلُ عَزَّاهُ الشَّيْخَانِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، إنَّهُ نَقْلٌ بَاطِلٌ يَطُولُ الْقَوْلُ بِتَفْصِيلِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ فَضْلًا عَنْ عَزْوِهِ إلَى الْأَكْثَرِينَ بَلْ، رَجَّحَ كَثِيرُونَ اعْتِبَارَ وُقُوعَ الزَّرْعَيْنِ فِي عَامٍ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ النَّقِيبِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ: وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي نَقْلِ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ ا هـ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَصَادِ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ ؟ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: تَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَى الثَّانِي، وَلَوْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ ثُمَّ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا. وَالْآخَرُ بَقْلٌ لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ فِيهِ بِالضَّمِّ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ. . وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ زَرْعُ عَامَ أَوْ عَامَيْنِ صُدِّقَ الْمَالِكُ فِي قَوْلِ عَامَيْنِ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ. . وَالْمُسْتَخْلَفُ مِنْ أَصْلٍ كَذُرَةٍ سُنْبِلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي عَامٍ يُضَمُّ إلَى الْأَصْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ كَمَا سَلَفَ؛ لِأَنَّهُمَا يُرَادَانِ لِلتَّأْبِيدِ فَجَعَلَ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ بِخِلَافِ الذُّرَةِ وَنَحْوِهَا فَأَلْحَقَ الْخَارِجَ مِنْهَا ثَانِيًا بِالْأَوَّلِ كَزَرْعٍ تَعَجَّلَ إدْرَاكَ بَعْضِهِ.
المتن وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالْمَطَرِ أَوْ عُرُوقُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ، أَوْ دُولَابٍ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ نِصْفُهُ.
الشَّرْحُ (وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالْمَطَرِ) أَوْ بِمَا انْصَبَّ إلَيْهِ مِنْ جَبَلٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ (أَوْ عُرُوقُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ) وَهُوَ الْبَعْلُ (مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ، وَ) وَاجِبُ (مَا سُقِيَ) مِنْهُمَا (بِنَضْحٍ) مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ بِحَيَوَانٍ وَيُسَمَّى الذَّكَرُ نَاضِحًا وَالْأُنْثَى نَاضِحَةً، وَيُسَمَّى هَذَا الْحَيَوَانُ أَيْضًا سَانِيَةً سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَنُونٌ وَمُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ (أَوْ دُولَابٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ، وَهُوَ مَا يُدِيرُهُ الْحَيَوَانُ، أَوْ دَالِيَةٍ وَهِيَ الْبَكَرَةُ، أَوْ نَاعُورَةٍ وَهِيَ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ (أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ) أَوْ وُهِبَهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ أَوْ غَصَبَهُ لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ (نِصْفُهُ) أَيْ الْعُشْرُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ {فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ} وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد {إنَّ فِي الْبَعْلِ الْعُشْرَ} وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْمَعْنَى فِيهِ كَثْرَةُ الْمَئُونَةِ وَخِفَّتُهَا كَمَا فِي الْمَعْلُوفَةِ وَالسَّائِمَةِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَالْبَعْلُ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَالْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ: مَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّيْلِ الْجَارِي إلَيْهِ فِي حُفْرَةٍ، وَتُسَمَّى الْحُفْرَةُ عَاثُورَاءَ لِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا.
تَنْبِيهٌ: الْأَوْلَى فِي قِرَاءَةِ " مَا " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِمَا اشْتَرَاهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ لَا مَمْدُودَةٌ اسْمًا لِلْمَاءِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنَّهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ تَعُمُّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ بِخِلَافِ الْمَمْدُودَةِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: وَتَعُمُّ عَلَى الْأَوَّلِ الْمَاءَ النَّجِسَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ.
المتن وَالْقَنَوَاتُ كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَا سُقِيَ بِهِمَا سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ، وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ.
الشَّرْحُ (وَالْقَنَوَاتُ) وَالسَّوَّاقِي الْمَحْفُورَةُ مِنْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ (كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ) فَفِي الْمَسْقِيِّ بِمَا يَجْرِي فِيهَا مِنْهُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إنَّمَا تَخْرُجُ لِعِمَارَةِ الْقَرْيَةِ، وَالْأَنْهَارُ إنَّمَا تُحْفَرُ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ، فَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ بِطَبْعِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِخِلَافِ السَّقْيِ بِالنَّوَاضِحِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ لِلزَّرْعِ نَفْسِهِ. وَالثَّانِي يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ لِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَ) وَاجِبُ (مَا سُقِيَ بِهِمَا) أَيْ بِالنَّوْعَيْنِ كَالنَّضْحِ وَالْمَطَرِ (سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ) أَيْ الْعُشْرِ عَمَلًا بِوَاجِبِ النَّوْعَيْنِ (فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ) فَإِنْ غَلَبَ الْمَطَرُ فَالْعُشْرُ أَوْ النَّضْحُ فَنِصْفُهُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْغَلَبَةِ (وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ)؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأُمِّ؛ فَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَثُلُثُهُ بِالدُّولَابِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ ثُلُثَا الْعُشْرِ لِلثُّلُثَيْنِ وَثُلُثُ نِصْفِ الْعُشْرِ لِلثُّلُثِ، وَفِي عَكْسِهِ ثُلُثَا الْعُشْرِ، وَالْغَلَبَةُ وَالتَّقْسِيطُ (بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ) أَوْ الثَّمَرِ (وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ) أَيْ النَّافِعَةِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ اعْتِبَارُ عَيْشِ الزَّرْعِ بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ فَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَنَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَفِي شَهْرَيْنِ مِنْ زَمَنِ الصَّيْفِ إلَى ثَلَاثِ سَقَيَاتٍ فَسُقِيَ بِالنَّضْحِ، فَإِنْ اعْتَبَرْنَا عَدَدَ السَّقْيَاتِ فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ يَجِبُ خُمُسَا الْعُشْرِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ عَدَدَ السَّقْيَاتِ بِالنَّضْحِ أَكْثَرُ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَطْوَلُ. وَلَوْ سُقِيَ الزَّرْعُ أَوْ الثَّمَرُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ وَجُهِلَ مِقْدَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَجَبَ فِيهِ ثَلَاثُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ. وَقِيلَ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ وَجُهِلَ عَيْنُهُ فَالْوَاجِبُ يَنْقُصُ عَنْ الْعُشْرِ وَيَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ فَيُؤْخَذُ الْيَقِينُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَسَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي السَّقْيِ بِمَاءَيْنِ أَنْشَأَ الزَّرْعَ عَلَى قَصْدِ السَّقْيِ بِهِمَا أَمْ أَنْشَأَهُ قَاصِدًا السَّقْيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ عَرَضَ السَّقْيُ بِالْآخَرِ. وَقِيلَ فِي الْحَالِ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ حُكْمُ مَا قَصَدَهُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ مَسْقِيٌّ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَآخَرُ مَسْقِيٌّ بِالنَّضْحِ وَلَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نِصَابًا ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَمَامِ النِّصَابِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْعُشْرُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ فِي الْآخَرِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ بِمَاذَا سَقَى ؟ صُدِّقَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا.
المتن وَتَجِبُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ.
الشَّرْحُ (وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ فِيمَا ذُكِرَ (بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ)؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ثَمَرَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ حِصْرِمٌ وَبَلَحٌ (وَ) بِبُدُوِّ (اشْتِدَادِ الْحَبِّ)؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَعَامٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بَقْلٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمَا ذُكِرَ وُجُوبَ إخْرَاجِهَا فِي الْحَالِ، بَلْ انْعِقَادَ سَبَبِ وُجُوبِ إخْرَاجِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحَبِّ الْمُصَفَّى عِنْدَ الصَّيْرُورَةِ كَذَلِكَ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ضَابِطُ الصَّلَاحِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَمَامُ الصَّلَاحِ وَالِاشْتِدَادُ وَلَا بُدُوُّ صَلَاحِ الْجَمِيعِ وَاشْتِدَادُهُ، وَمُؤْنَةُ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْجُذَاذِ وَالدِّيَاسِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ عَلَى الْمَالِكِ لَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ. فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِمَّا يَجِفُّ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ رَدَّهَا وُجُوبًا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ السَّاعِي لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ مِثْلِيٌّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّطْبَ مُتَقَوِّمٌ، وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى فَقْدِ الْمِثْلِ، فَلَوْ جَفَّفَهَا السَّاعِي وَنَقَصَتْ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ تَنْقُصْ لَمْ تُجْزِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ مِنْ أَصْلِهِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَنَّهَا تُجْزِئُ. وَلَوْ أَخَذَ السَّاعِي الْحَبَّ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ إلَّا الْأَرُزَّ وَالْعَلَسَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ وَاجِبَهُمَا فِي قِشْرِهِمَا كَمَا مَرَّ. وَلَوْ اشْتَرَى نَخِيلًا وَثَمَرَتَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مُدَّتِهِ فَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ الْبَائِعُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، أَوْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ لَهُ بِأَنْ أَمْضَى الْبَيْعَ فِي الْأُولَى وَفَسَخَ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ. فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ. وَإِنْ اشْتَرَى النَّخِيلَ بِثَمَرَتِهَا أَوْ ثَمَرَتَهَا فَقَطْ كَافِرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا عَلَى أَحَدٍ. أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا الْبَائِعُ؛ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْوُجُوبِ. أَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ قَهْرًا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا فَهُوَ كَعَيْبٍ حَدَثَ بِيَدِهِ، فَلَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ الثَّمَرِ لَمْ يَرُدَّ وَلَهُ الْأَرْشُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَهُ الرَّدُّ. أَمَّا لَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِرِضَاهُ فَجَائِزٌ إسْقَاطُ الْبَائِعِ حَقَّهُ. وَإِنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَبَدَا الصَّلَاحُ حَرُمَ الْقَطْعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ بِهَا فَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْإِبْقَاءِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَضَرُّرِهِ بِمَصِّ الثَّمَرَةِ مَاءَ الشَّجَرَةِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ وَأَبَى الْمُشْتَرِي إلَّا الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي الرِّضَا بِالْإِبْقَاءِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ إعَارَةٌ، وَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَخَذَهَا السَّاعِي مِنْ الثَّمَرَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
فَرْعٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ بَدَا الصَّلَاحُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِيَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ: وَهَذَا إذَا بَدَا بَعْدَ اللُّزُومِ وَإِلَّا فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ اُسْتُحِقَّ إبْقَاؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ فِي زَمَنِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ إنْ قُلْنَا: الشَّرْطُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ.
المتن وَيُسَنُّ خَرْصُ الثَّمَرِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ.
الشَّرْحُ (وَيُسَنُّ خَرْصُ) أَيْ حَرْزُ (الثَّمَرِ) بِالْمُثَلَّثَةِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ (إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَمَرَ أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقِيلَ: يَجِبُ الْخَرْصُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْخَرْصُ لُغَةً: الْقَوْلُ بِالظَّنِّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} وَاصْطِلَاحًا مَا تَقَرَّرَ، وَحِكْمَتُهُ الرِّفْقُ بِالْمَالِكِ وَالْمُسْتَحِقِّ وَلَا فَرْقَ فِي الْخَرْصِ بَيْنَ ثِمَارِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ ثِمَارَ الْبَصْرَةِ. فَقَالَ: يَحْرُمُ خَرْصُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِكَثْرَتِهَا وَلِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ فِي خَرْصِهَا، وَلِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا الْأَكْلَ مِنْهَا لِلْمُجْتَازِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ. قَالَ: وَهَذَا فِي النَّخْلِ. أَمَّا الْكَرْمُ فَهُمْ فِيهِ كَغَيْرِهِمْ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا عُرِفَ مِنْ شَخْصٍ أَوْ بَلَدٍ مَا عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ ا هـ. وَيَجُوزُ خَرْصُ الْكُلِّ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي نَوْعٍ دُونَ آخَرَ فِي أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ الْحَبُّ فَلَا خَرْصَ فِيهِ لِاسْتِتَارِ حَبِّهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا رُطَبًا بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ، وَبِبُدُوِّ الصَّلَاحِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ إذْ لَا حَقَّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فِيهِ، وَلَا يَنْضَبِطُ الْمِقْدَارُ لِكَثْرَةِ الْعَاهَاتِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ،.
المتن وَالْمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الْخَرْصِ.
الشَّرْحُ وَكَيْفِيَّةُ الْخَرْصِ أَنْ يَطُوفَ بِالنَّخْلَةِ وَيَرَى جَمِيعَ عَنَاقِيدِهَا وَيَقُولَ عَلَيْهَا مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ كَذَا، وَيُجِيبُ مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا كَذَا، ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ بِنَخْلَةٍ بَعْدَ نَخْلَةٍ إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَعْضِ وَقِيَاسِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ فَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ جَازَ أَنْ يُخْرَصَ الْجَمِيعُ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا ثُمَّ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا (وَالْمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الْخَرْصِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَقِلَّتِهِمْ. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا مِنْ الْمَخْرُوصِ لِيُفَرِّقَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ لِطَمَعِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُ.
المتن وَأَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ، وَشَرْطُهُ الْعَدَالَةُ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ (وَ) الْمَشْهُورُ (أَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ) وَاحِدٌ كَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَيُعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا أَوَّلَ مَا تَطِيبُ الثَّمَرَةُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَالتَّقْوِيمِ وَالشَّهَادَةِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْخَارِصِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ اثْنَيْنِ (الْعَدَالَةُ) فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَرْصِ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ، وَالْجَاهِلُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ (وَكَذَا) شَرْطُهُ (الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ وِلَايَةٌ، وَلَيْسَ الرَّقِيقُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطَانِ كَمَا فِي الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ خَارِصَانِ تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمِقْدَارُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ.
المتن فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجهُمَا بَعْدَ جَفَافِهِ، وَيُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِتَضْمِينِهِ وَقَبُولُ الْمَالِكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يَنْقَطِعُ بِنَفْسِ الْخَرْصِ، فَإِذَا ضَمِنَ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ.
الشَّرْحُ (فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجَهَا بَعْدَ جَفَافِهِ) إنْ لَمْ يَتْلَفْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ يُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّهِمْ عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِ بَلْ يَبْقَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْلِ حَقٍّ إلَى الذِّمَّةِ، وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ عَلَى هَذَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَيُسَمَّى هَذَا قَوْلَ الْعِبْرَةِ: أَيْ لِاعْتِبَارِهِ الْقَدْرَ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ التَّضْمِينِ. أَمَّا إذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِآفَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ مِنْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيُشْتَرَطُ) فِي الِانْقِطَاعِ وَالصَّيْرُورَةِ الْمَذْكُورَيْنِ (التَّصْرِيحُ) مِنْ الْخَارِصِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (بِتَضْمِينِهِ) أَيْ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمَالِكِ كَأَنْ يَقُولَ السَّاعِي: ضَمَّنْتُك نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ بِكَذَا تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا (وَقَبُولُ الْمَالِكِ) التَّضْمِينَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا كَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ أَوْ ضَمَّنَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمَالِكُ بَقِيَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ كَمَا كَانَ وَالْمُضَمِّنُ هُوَ السَّاعِي أَوَ الْإِمَامُ وَتَقْيِيدُهُ الْقَبُولَ بِالْمَالِكِ رُبَّمَا يُخْرِجُ الْوَلِيَّ وَنَحْوَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا (وَقِيلَ يَنْقَطِعُ) حَقُّهُمْ (بِنَفْسِ الْخَرْصِ)؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ لَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هَذَا التَّضْمِينُ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الثِّمَارُ جَمِيعُهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سُرِقَتْ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِفَوَاتِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ بَنَى عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلضَّمَانِ وَسَيَأْتِي، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا زَكَّى الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ (فَإِذَا ضَمِنَ) أَيْ الْمَالِكُ (جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ) لِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَنْ الْعَيْنِ وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ قَبْلَ التَّضْمِينِ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ لَا بَعْضِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا عَدَا الْوَاجِبَ شَائِعًا لِبَقَاءِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ لَا مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ الْحَاكِمُ خَارِصًا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ تَحَاكَمَ إلَى عَدْلَيْنِ عَالِمَيْنِ بِالْخَرْصِ يَخْرُصَانِ عَلَيْهِ لِيَنْتَقِلَ الْحَقُّ إلَى الذِّمَّةِ، وَيَتَصَرَّفُ فِي الثَّمَرَةِ. وَاسْتَشْكَلَ الْأَذْرَعِيُّ إطْلَاقَهُمْ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ التَّضْمِينِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُعْسِرًا، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَصْرِفُ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فِي دَيْنِهِ أَوْ يَأْكُلُهَا عِيَالُهُ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَيَضِيعُ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَا يَنْفَعُهُمْ كَوْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ الْخَرِبَةِ.
المتن وَلَوْ ادَّعَى هَلَاكَ الْمَخْرُوصِ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ، أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ بِهِ.
الشَّرْحُ (وَلَوْ ادَّعَى) الْمَالِكُ (هَلَاكَ الْمَخْرُوصِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهْمًا مِنْ كَلَامِهِمْ (أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ) أَيْ اشْتَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ كَحَرِيقٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَهْبٍ دُونَ عُمُومِهِ أَوْ عُرِفَ عُمُومُهُ، وَلَكِنْ اُتُّهِمَ فِي هَلَاكِ الثَّمَرِ بِهِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَإِنْ عُرِفَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَعُمُومُهُ وَلَمْ يُتَّهَمْ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ.
تَنْبِيهٌ: الْيَمِينُ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الْفَصْلِ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَعْلُهُ السَّرِقَةَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْهَلَاكِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ قَدْ يَكُونُ بَاقِيًا، فَلَوْ عَبَّرَ بِالضَّائِعِ بَدَلَ الْهَلَاكِ لَكَانَ أَوْلَى (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ) عَلَى وُقُوعِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِسُهُولَةِ إقَامَتِهَا (ثُمَّ) بَعْدَ إقَامَتِهَا (يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ السَّبَبِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ مَالِهِ بِخُصُوصِهِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ شَرْعًا، وَلَوْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِحَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْجَرِينِ مَثَلًا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْجَرِينِ حَرِيقٌ لَمْ يُبَالَ بِكَلَامِهِ.
المتن وَلَوْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ لَمْ يُقْبَلْ، أَوْ بِمُحْتَمَلٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ (وَلَوْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ) فِيمَا خَرَصَهُ: أَيْ إخْبَارَهُ عَمْدًا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا عِنْدَهُ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً (أَوْ غَلَطَهُ) فِيهِ (بِمَا يَبْعُدُ) أَيْ لَا يَقَعُ عَادَةً مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخَرْصِ كَالرُّبْعِ (لَمْ يُقْبَلْ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَمَّا فِي الْأُولَى فَقِيَاسًا عَلَى دَعْوَى الْجَوْرِ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْكَذِبِ عَلَى الشَّاهِدِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ عَادَةً. نَعَمْ يُحَطُّ عَنْهُ الْقَدْرُ الْمُحْتَمَلُ، وَهُوَ الَّذِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَقُبِلَ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ غَلَطَ الْخَارِصِ، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ إلَّا هَذَا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إذْ لَا تَكْذِيبَ فِيهِ لِأَحَدٍ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: يُقَالُ: غَلِطَ فِي مَنْطِقِهِ، وَغَلِتَ بِالْمُثَنَّاةِ فِي الْحِسَابِ (أَوْ) ادَّعَى غَلَطَهُ (بِمُحْتَمَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَخْرُوصِ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ، وَكَانَ مِقْدَارًا يَقَعُ عَادَةً بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ كَوَسْقٍ فِي مِائَةٍ (قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ) وَحُطَّ عَنْهُ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي دَعْوَى نَقْصِهِ عِنْدَ كَيْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ يَقِينٌ وَالْخَرْصَ تَخْمِينٌ فَالْإِحَالَةُ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَالثَّانِي: لَا يُحَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ النُّقْصَانَ فِي كَيْلِهِ لَهُ وَلَعَلَّهُ يُوَفِّي لَوْ كَالَهُ ثَانِيًا، فَإِنْ كَانَ الْمَخْرُوصُ بَاقِيًا أُعِيدَ كَيْلُهُ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ مِمَّا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا كَخَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ مِائَةٍ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَكَعُشْرِ الثَّمَرَةِ وَسُدُسِهَا قُبِلَ قَوْلُهُ، وَحُطَّ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ بِلَا خِلَافٍ؛ فَإِنْ اُتُّهِمَ فِي دَعْوَاهُ بِمَا ذَكَرَ حَلَفَ، وَلَوْ ادَّعَى غَلَطَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ. خَاتِمَةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْجِدَادُ نَهَارًا لِيُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْجِدَادِ لَيْلًا سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِي الْمَجْدُودِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا. وَإِذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ آخَرُ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِحَصَادِهَا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَتَكَرَّرُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُكَرَّرُ فِيهِ الْأَمْوَالُ النَّامِيَةُ وَهَذِهِ مُنْقَطِعَةُ النَّمَاءِ مُتَعَرِّضَةٌ لِلْفَسَادِ. وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً، وَالْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعُشْرِ، فَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْعُشْرِ فَهُوَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ فِي الْأَصَحِّ وَالنَّوَاحِي الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ وَلَا يُعْلَمُ حَالُهَا يُسْتَدَامُ الْأَخْذُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَنَعَ بِهَا كَمَا صَنَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي خَرَاجِ السَّوَادِ.
|